عاش اليمنيون في بضع سنوات من المصائب والمحن ما لم يعيشوه في عقود من الزمن، والجميع يتفق في توصيف هذه المحن بمسميات متقاربة ويضعها في قائمته السوداء، لكن ثمة ضرورة ودروس لا يمكن إدراكها إلا من خلال هذه المحن، فالنفق المظلم يجعل المرء أكثر إيمانا بأهمية الضوء الباهت المتواجد في آخر النفق!
إن المصائب مهما بدت كارثية، لكنها تحمل طياتها دروس مهمة، وتكشف عن حقائق من الصعب الوصول إليها في الظروف الطبيعية، وتمثل المصائب أيضا نقطة يجب الوقوف عندها لسبر أغوارها، واستخلاص العبر والدروس.
ومن يتأمل التاريخ الإسلامي، يجد كثير من التجارب والأحداث العصيبة، حملت في طياتها جوانب إيجابية، فانسحاب المنافقين أثناء السير إلى غزوة أحد وهم يشكلون ثلث الجيش، بدت لبعض المسلمين خسارة للجيش الإسلامي، لكنها في الحقيقية كانت منحة ربانية لتطهير الجيش الإسلامي قبل لقاء العدو، حتى لا تتخلخل الصفوف أثناء المعركة، وأيضا معرفة المنافقين والحذر منهم ومن مكائدهم مستقبلا.
عندما عقد النبي صلى الله عليه وسلم، صلح الحديبية مع كفار قريش، تألم كثير من الصحابة من هذا الإتفاق الذي رأوه مجحفا بحقهم، وقام عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يجادل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك كان بعد أن هذا الصلح كان فاتحة خير للدعوة الإسلامية، وتوسعها وانتشارها، وفي هذا الصلح أنزل الله: "إنا فتحنا لك فتحا مبينا".
إن المصائب أو الأحداث الكارثية، لا يجب أن تشكّل عائقا أمام دور الإنسان في عمارة الأرض وبنائها، وتحقيق الأهداف المشروعة في الرقي والتقدم، وفي التاريخ الحديث ثمة تجارب كثيرة تستحق التأمل والإعجاب لما تحمله من جوانب مشرقة في صمود الإنسان وتخطيه للمصائب والمآسي.
في أغسطس 1945، تعرضت اليابان لهجوم نووي نفذته الولايات المتحدة، مما أسفر عن قتل أكثر من 200 ألف مواطن ياباني، فضلا عن الآثار الكارثية التي سببت آثارا على الحياة البيئية، والخصائص الجينية للأفراد، وعلى إثر هذا الهجوم رضخت اليابان وأعلنت استسلامها للحلفاء، لكنها لم تستسلم لمصيبة النووي وآثاره، وسعت للنهوض والتقدم الصناعي، وبعد نصف قرن فقط أصبحت اليابان ضمن أوائل الدول الأقوى اقتصاديا على مستوى العالم.
لقد كان بإمكان اليابانيين الاستسلام للمأساة، والتباكي لما حل بهم، لكن ذلك لن يغيّر شيئا من واقعهم البائس، ولذلك سعوا لتحويل المحنة إلى منحة، والبدء بالبناء من نقطة متدنية وفق خطوات مدروسة لا مجال فيها للتفكير السلبي الذي يعطل العقل البشري، ويكبّل القدرات عن الإنجاز، وأصبحت اليابان تُروى كتجربة ناجحة في مواجهة اليأس والسعي للنهوض والتقدم.
في اليمن، بلغت المأساة الإنسانية مرحلة حرجة، بالتوازي مع استغلال رخيص لها من قبل من يفترض أنهم حلفاء للشعب اليمني في مواجهة الانقلاب الحوثي، وهذه الأزمة تعد جزءا من سلسلة أزمات وتحديات مر بها اليمن منذ سبع سنوات، وهي فترة زمنية كافية لتقييم المرحلة ولو بشكل أولي، والاستفادة من الأخطاء وتجنب تكرارها ولو بأشكال مختلفة.
نحتاج كيمنيين، إلى عدم اليأس والقنوط من الواقع البائس الذي نعيشه، فهذا الواقع على بشاعته، أسقط الكثير من الأقنعة، وكشف الكثير من الحقائق التي ما كان لها أن تظهر، ومنها حقيقة الموقف السعودي الإماراتي من الأزمة اليمنية، وسعيهما للسيطرة والتوسع تحت يافطة دعم الشرعية، واستخدام التجويع وتدمير الاقتصاد لتحقيق مآرب سياسية، وغيرها من الحقائق التي تتكشف مع مرور الوقت، فالامتحانات والمصائب مهما بدت مؤلمة إلا إنها تشبه كثيرا مبضع الطبيب الذي يؤلم المريض لكنه يؤدي إلى تعافيه في النهاية.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية