كيف يمكن لـ 26 سبتمبر أن يذوي من وجدان اليمنيين وهناك ملحمة غنائية اسمها «انثري الشهب حولنا يا سماء».
تجلت الكلمات كثورة في دم الراحل الكبير علي بن علي صبرة، فأنتجت ملحمة كتبها كخارج من ساحة تحرير محملا بلواء المجد الذي طال انتظاره.
كأن أيوب كان يقف منتظرا لتلك الكلمات لينفث فيها روح سبتمبر المستدام، فكان ذلك التدفق الروحي الذي ينسكب في مسامعنا كنافورة فرح.
كيف يأتي سبتمبر من كل عام ولا نجعل تلك الرائعة هي النشيد الرسمي لعظمة سبتمبر!!
انثري الشهب حولنا يا سماءُ
واسكبي الضوء والندى يا ذكاءُ
عاد أيلول كالصباح جديداً
سُحقت في طريقه الظلماءُ
من أين يولد الشعر!
لم يسأل أحدهم الشاعر الراحل علي صبرة -المولود في ماوية بتعز 1938- هذا السؤال، لكنه أجاب عن ذلك بدون السؤال بكلمات تختصر كيف ولدت هذه الكلمات.
يقول صبرة: "إن ما كان بيننا وبين الأئمة والملوك والسلاطين إنما هو صراع ثقافي وحضاري واختلاف في المرتكزات والمطامح وفي فهم العلاقة بين الفرد والمجتمع, والمجتمع والدولة, وفي فهم المسيرة التاريخية التي حاولوا أن يسقطوا عليها ما يريدون ويفصلّوها على مقاساتهم الخاصة ولذلك عمدوا إلى كبت وإعقام عناصر النمو الحياتي والمعرفي لكي يتم لهم ما أرادوا فكانوا بذلك أكبر حافز على الخلاص".
باختصار، كان الأئمة أكبر حافز على الخلاص.
تجلت روح أيلول في مطالبه التي وردت في شطر بيت من القصيدة الملحمة، فكان هذا ما يريده الناس:
"ينشر الحب والسلام ويبني
نِعم بان لنا ونعم البناءُ"
كان صبرة من ذلك الجيل الذي عجنته مآسي الإمامة، وكان سبتمبر الخلاص بالنسبة لذلك الجيل بقعة نور بعد ظلام السنين.
عاد أيلول غرة في جبين الدهر
تزهو به السنين الوُضَاءُ
عثرت خلفه المطامع صرعى
وتجارت أمامه الأشلاء
نِعم ما أنجبت لنا “بنت كرب”
توأمان: أيلولنا واللوا
انعكست كبرياء الخلاص في روح قصائد صبره، سواء منها العاطفية أو الوطنية، فكانت متباهية بذاك الخلاص الذي مثل كسرا لقيد أدمى أقدام اليمنيين وقلوبهم عشرات السنين، فرأى التاريخ يشهد ميلاد الخلاص.
وأطل التاريخ من شرفة الدنيا
ابتهاجاً بنا، ودوى دعاءُ
لكنه خلاص الجريح، والجريح يشفى، فكيف إذا كان الجريح وطن تناهشته الذئاب.
يا بلادي يا كبرياء جراحٍ
رضعت من نزيفها الكبرياء
قد نسجنا نجيعهن لواء
ركعت عند ظله العلياء
من يراه يظنه مهجة الكون
ولكن خفاقة حراء
لا شيء يضاهي كبرياء حروف صبرة، غير كبرياء لحن أيوب، ذلك الشغف بالبساطة حد الاستحالة، يجسده ذلك التنقل بين مقاطع القصيدة بتدرج فاتن تستحقه القصيدة.
أيها الخافق الذي تتفيآ
ظله الصافنات والهيجاء
يستريح المناضلون وتستل المواضي
ويحصر الشهداءُ وهو يتلو على النجوم بيانا:
صاغه ليلة الخميس القضاء.
لن يذوي سبتمبر من أرواح الأجيال طالما أردنا ذلك، لنوثق أسماء السبتمبريين في كل تفاصيل حياتنا، لنوثق كل ما يمكن توثيقه، لنربي أبناءنا على هذه الذاكرة الملحمية.
لنكتب عن الأغاني، وعن البنادق، وعن القيود.
هذه الأغاني نزفها الشعراء من دمهم، لم تكن مجرد حرف تتوه في زحمة الورق، بل كانت قيود وسجون وجوع وقهر وإذلال، لذلك خرجت القصائد متشحة بكل هذه الكبرياء.
رحل صبرة، ولم ترحل الأغاني، فالأغاني لا تموت..
يموت الثوار، لكن الثورة لاتموت..
اقراء أيضاً
طفولتنا السبتمبرية
الحِنيّة البريطانية بين الحديدة ومأرب!
طارق.. قبعة أصغر من رأس تعز