واضح أن الضغوط الدولية تحول دون سقوط الحديدة، هذا إذا ما كانت هناك بالفعل نوايا حقيقية لدى التحالف لإسقاطها وليس ثمة تفاهمات لدى الجميع (التحالف _ المجتمع الدولي) متفق عليها وتقضي بإجراء مفاوضات سلام وفق معادلة القوة على الأرض القائمة حاليا.
أنا أرى أن هذه الفكرة واردة جدا؛ والدليل أن معركة تحرير الحديدة تندلع كلما تلكأ الحوثي أو تخلف عن جولة المشاورات من أجل السلام، وكأن المسألة لا تعدو كونها ضرب من الضغط على الجماعة لدفعها باتجاه جولة جديدة من المشاورات. الغريب أن الحوثيين يصرون على عدم الذهاب باتجاه الحوار والسلام رغم الهزائم التي منيوا بها، والنذر التي توحي بأنهم قد يفقدون المزيد مما تبقى تحت سلطتهم. فهل ما زالت جماعة الحوثي تراهن بالفعل أنها قد تكسب جولات قادمة، كأن تسقط مناطق جديدة مثلا تحت قبضها لتعزز بذلك شروط وأوراق تفاوضها، أم أنها تركن إلى موقف دولي يضمن عدم المزيد من تقدم الشرعية؟
إذا ما كان الحوثيون بالفعل يراهنون على ضم مناطق جديدة كانوا قد فقدوها فهذا لا يعني أنهم يجهلون حجم قدرتهم التي أُنهِكَت وهوت إلى مستويات لا تؤهلهم لمثل تحقيق هكذا مكاسب، ولكنهم بلا شك يراقبون حال الشرعية، وما يعتريها من صراع بيني يضعفها يوما بعد آخر، ما يجعلهم عند مرحلة معينه قادرين على قضم مزيد من مناطقها، أما رهانهم على موقف المجتمع الدولي المنحاز لهم ضمنا فكيشفه تخلفهم عن المفاوضات والتي يهدفون منها إلى تحقيق اعتراف أممي بسلطة الأمر الواقع التي فرضوها بإسقاط الدولة وقوة السلاح.
ما دام الحوثيون قد رفضوا الاستجابة لجولة المشاورات والحديدة ما زالت تحت أيديهم فأنهم سيرفضونها وهي لم تعد كذلك وسيفضلون أن يخسروا آخر مناطقهم من خلال المعركة العسكرية على أن يتفاوضوا وقد انتزعت من قبضتهم جميع المنافذ التي كانت تمدهم بإمكانات شتي تقدمها لهم إيران وبعض حلفائهم السريين.
أقصد أن تحرير الحديدة؛ ان حصل قد لا يفضي بالضرورة إلى دفع الحوثيين للمفاوضات، بل قد يزيد من تعزيز القناعة لديهم بخيار الاستمرار في الحرب. ستعتبر الجماعة المتمردة سقوط الحديدة تأكيدا بأن ذلك جرى بضوء أخضر دولي (أمريكي تحديدا ) ما يجعلها تعتقد أنها تحمل مهمة مقاومة قوى الاستكبار العالمية وضرب لا يعد ولا يحصى من هذه الشعارات التي نسخوها كما هي من المنطق الإيراني الأجوف.
ما دام ومعركة الحديدة من طرف التحالف والشرعية مرهون بهذا البعد الهادف لمجرد الضغط على الجماعة، فإنها لن تعدو كونها معركة مناورات لا ترقى إلى مستوى دحر الحوثيين بل جولات من الكر والفر المعتاد.
صور الإعلام جولة المشاورات الفائتة التي انتهت قبل أن تبدأ وكأنها جولة الخلاص التي ستوقف رحى الحرب، والحقيقة أنها فيما لو جرت لن تحقق أي سلام بل وحتى لن تبشر به؛ لأن شروط السلام في اليمن لم تتوفر بعد تحديدا وجزء من هذه الشروط مرتبط ارتباطا وثيقا بصراع إقليمي ودولي وبملفات أعقد من قدرتنا في المرحلة الحالية على تجاوزها من مرحلة اختطاف الشرعية اليمنية ومصادرة قرارها. يبدو أن أمامنا مشوار طويل حتى نكون قادرين على فرض خيار السلام بإرادة وطنية ووفق حاجتنا نحن كيمنيين، لا حاجة قوى الصراع القادمة من خارج حدود اليمن.
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور