في مشهد وجوه أطفال سقطرى وهم يرددون ما يلقن لهم بحماسة وابتسامة سعيدة؛ لم تقف أمامي ماثلة سوى حسرة التعلم منذ الصغر ..!
لم تصدمني حقارة تصرف مسئولي "الهلال الأحمر الإماراتي"، فالابتذال صار تصرف إماراتي بجدارة.
لم يؤلمني استغلال فقر الأطفال وبراءتهم، لتلقينهم كلمات لا تمت لطفولتهم بصلة، فهذا استكمال طبيعي لنذالة هذه الدولة...
ما يؤلم حقا؛ هو غياب فكرة الوطن من كل هذا المشهد ..!
الوطن فكرة غائبة من الجذور ..! منذ المنابت للطفل؛ ابتداء من الأسرة التي تحرص على إطعام طفلها وتهتم بصحته، وتنسى أن تغذي روحه بحب الانتماء لهذا الوطن ..!!
يجب أن يقترن تعليم الانتماء للدين، بتعليم الوطنية. فحب الوطن من الإيمان، حقا وليس مجازا.
تبدأ المأساة من الأسرة ذاتها، التي تلقن أبنائها كماً لا يوصف من سخافات الحياة وقيمها، وتعمى عن تلقينهم قيمة الانتماء وحب الوطن !! ذلك لأن فكرة الوطن غائبة من كل بيت تقريبا. لا يحرص الآباء على الحديث عن اليمن بحب أمام أبنائهم..! الواقع أن الكثيرين يلعنون ذلك اليوم الذي كُتب عليهم أن يكونوا يمنيين.
أين توجد تلك الأسرة، التي تحرص على تعزيز فكرة شرف الانتماء لليمن، بقصّ الحكايات التي تنمي فكرة الوطنية؟! تلك الأسرة التي تحتفي باليوم الوطني، أو بالعلم اليمني كرمز عظيم، وتشرح للصغار ماذا يعني كل لون؟!
أين تلك الأسرة التي تولي المناسبات التي يظهر فيها حب الوطن، كيوم التشجير أو يوم النظافة، اهتماما، وتدفع أبنائها للمشاركة؟!
أين مظاهر الانتماء فينا، نحن الكبار، ونحن نحذف مثل هذه الأيام من قواميسنا؟ كم عائلة تهتم بذلك في محيطك؟! وكم طفل يمكنه أن يبلغ السادسة ليردد بفخر "أنا يمني"؟
حدثوا أطفالكم عن معنى الوطن؛ كي لا تكون أول فكرة تراودهم، هي الهجرة من أرض، سيسميها مقبرة أحلامه وطموحه ..! فالوطن أم وأب، مهما كانت أوقاته عصيبة؛ يظل "عز القبيلي بلاده".
إن الحروب والأطماع التي تحيق بوطننا، تجعلنا نتمسك به أكثر، لا أن يتحول إلى تسمية يخجل منها الكثيرون خارج هذا الوطن، لما تجره عليهم من مشاق وتمييز سيء ..!
إننا نجرم في حق هذه الأجيال التي غفلنا تربيتها على حب الوطن مرتين: الأولى؛ في الأسرة التي لا تهتم بتنشئة الأطفال على حب اليمن، وتمارس التعامل السطحي مع مناسباته الوطنية، ورموزه الثورية، وكل ما يرتبط به، كالنشيد الوطني، وتاريخه وجغرافيته؛
والأخرى؛ في التعليم النظامي، الذي تعامل مع الانتماء للوطن، كتحصيل حاصل لابد منه. فلم يوليه التركيز أو الاهتمام الذي يستحق في مناهجه وأنشطته المدرسية ..!! هل سبق أن ردد طفل- عند عودته من المدرسة أمام والديه: "أنا يمني" و "بلادي عظيمة"؟! هكذا تعلمنا في المدرسة..
قد يتخرج الطالب اليمني، وهو يعرف عن الرموز البارزة للشعوب، أكثر مما يعرف عن رموز ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ..!!
التعليم الشكلي؛ في الجانب الوطني، واسقاط الأهم من أجل نزع الهوية اليمنية، وتهميش تمجيد الثورة...، كلها أسباب أثرت في وطنية أبنائنا، ليبرز جيل انتماؤه هو أضعف الإيمان في قلبه ..!
لا لوم على الأطفال؛ فستظل عقولهم صفحة بيضاء نقية، ليأتي الغزاة ويرسمون عليها وجها لا يشبه وجه اليمن ..!
من واجبنا تدارك هذه النتائج الكارثية. وليكن حلول ذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، مناسبة للقيام بحملة توعية في صفوف التلاميذ في المدارس، والأطفال في البيوت ..
ليكن إحياء اليوم الوطني، إحياءً حقيقيا بمراسيم عائلية في كل بيت، وفي كل قلب، وليس شعارات على فئة معينة في المجتمع اليمني في مواقع التواصل..
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية