لم تعد أخبار الحرب الدائرة في البلاد تشكل أولوية في اهتمامات المواطن البسيط، الذي انحصرت كل اهتماماته في توفير لقمة العيش وبذل كل طاقته للحصول عليها، في ظل التهاب الوضع الاقتصادي، وهبوط صرف الريال أمام الدولار والعملات الأخرى.
تمر اليمن بمرحلة خانقة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، التي يتحمل تحالف دعم الشرعية مسؤولية كبيرة في تناميها، نتيجة ممارساته الخاطئة في اليمن، وإصراره على إيقاف العجلة الاقتصادية، عبر منع الإمارات للحكومة الشرعية من ممارسة سلطتها في المناطق المحررة، وتشغيل المنشآت النفطية والغازية، وتصدير النفط والغاز الطبيعي، وهو ما جعل اللجنة الاقتصادية الحكومية تضع هذا الأمر ضمن المعالجات التي وضعتها لوقف تهاوي الريال اليمني.
إن حديثي عن دور تحالف دعم الشرعية في الأزمة الاقتصادية وانهيار الريال، فهو لأنهم حلفاء يفترض أن يكون دورهم إيجابيا وليس سلبيا، أما العصابات الحوثية وحليفها الهالك فهما يتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية في انهيار الاقتصاد اليمني وإشعال الحرب ونهب أكثر من ثلاثة مليار دولار من احتياطي العملة الصعبة في البنك المركزي، وكان يفترض أن يكون دور من يزعم دعم اليمن ضد السلطة الانقلابية العمل على معالجة الوضع الاقتصادي لا إكمال ما بدأه الحوثيون وصالح.
وأمام العبث والتسلط الإماراتي والسعودي، وتلاعبهما في المعركة اليمنية، يفتقد معظم المسؤولين للمسؤولية، والضمير الحي، وبعضهم لا يكف عن الإشادة والتطبيل لسياسات هاتين الدولتين التي تطيل أمد الأزمة وتستثمرها إنسانيا وسياسيا، ولا تسعى إلى حلحلتها، وإنما إرهاق كاهل المواطن البسيط الذي يضع الجميع في سلة حدة، ويعتبرهم أعداء مهما ادعوا الوقوف إلى جانبه والتخفيف عن معاناته.
قبل عام ونيّف من الآن، صرّح مسؤول يمني لم تكشف صحيفة القدس العربي عن هويته، إن الإمارات تمنع السلطة الشرعية من تصدير النفط والغاز، وأنها تتولى البيع في هذين القطاعين لمصلحتها دون إذن الحكومة الشرعية أو علمها، وإذا كان هذا المسؤول لم يكشف عن نفسه، فذلك ربما لأن السلطة الشرعية تقيل كل مسؤول يتجرأ على انتقاد التحالف أو تدفعه للاستقالة طوعا تحت وطأة ضغوط التحالف نفسه.
أزمة انهيار الريال اليمني بدأت بوادرها مبكرا بانهيار ضمائر المسؤولين عن إدارة البلد، وسكوتهم عن الممارسات العبثية لعيال زايد في المناطق المحررة، التي تسببت في خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وتحمل المواطن اليمني كلفة هذا السكوت المخزي والممارسات العبثية للأشقاء، حتى وصل الأمر إلى أن تعيش البلد أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة.
هل يجرؤ مسؤولو السلطة الشرعية على مكاشفة الشعب، وإعلان الأسباب التي أدت لانهيار الريال اليمني؟ وهل يهتم المسؤولون أصلا بمثل هذا الأمر خاصة وأنهم يستلمون رواتبهم بالدولار شهريا ويعيشون برفاهية في فنادق الخارج؟ ألم تعمل الإمارات على تعطيل العجلة الاقتصادية ومنعت تشغيل ميناء عدن في مقابل مساعيها للسيطرة على بقية الموانئ؟ ثم لماذا ينشغل المسؤولون اليمنيون بالدفاع عن التحالف والتطبيل له بدلا عن الانشغال بهموم ملايين اليمنيين ومعاناتهم المستعرة في أكثر من محافظة؟
إن الأسئلة كثيرة لكن الإجابة عنها تكاد تكون منعدمة، ومن يعتقد أن مسؤولو السلطة الشرعية يبذلون جهودهم بكل أمانة وإخلاص للخروج باليمن من براثن الحرب التي تسبب بها الحوثيون، فهو مخطئ، إذ إن مسؤولون كثر أضحوا لايملكون قرارهم، ومن كان يملك قراره فقد غادر المنصب إم مستقيلا أو مقالا ولم يبق إلا أقلية لايمكن التعويل عليها كثيرا.
لقد كان بالإمكان تلافي الانهيار السريع للريال اليمني لو كانت الضمائر حية، ومعروف أن تراجع الريال لم يحدث بشكل فجائي وإنما بدأ بالتراجع منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولو كانت السلطة الشرعية عند مستوى المسؤولية لكاشفت الشعب بالمتسبب الحقيقي في انهيار الريال والتضييق على معيشة المواطن، ولو كانت دول التحالف صادقة في إعادة الأمل، لما وصلت المجاعة إلى بيوت ملايين اليمنيين، وهذه الدول تملك مليارات الدولارات تصرفها في تمويل صفقات مشبوهة ومشاريع وهمية، ولك أن تقارن عزيزي القارئ بين دور تركيا تجاه المواطنين السوريين ودور السعودية تجاه المواطنين اليمنيين، فالأولى استضافت ثلاثة مليون ونصف المليون لاجئ سوري ووفرت لكثيرين سبل المعيشة، بينما الثانية عمدت إلى طرد عشرات آلاف العمال اليمنيين من أراضيها، ولم تراعي الظروف الإنسانية والمأساوية لأسر هؤلاء العمال، وهذه المقارنة وإن بدت للبعض غير عادلة، إلا إنها تكشف العري القيمي الذي تعيشه السعودية في العهد الجديد.
لقد انهار الريال اليمني مع أول انهيار لضمائر المسؤولين في السلطة الشرعية ونظرائهم في التحالف العربي الذين لعبوا دورا في تمكين الانقلاب الحوثي، وإذا كان انهيار الريال اليمني قابل للإصلاح ومعالجة الخلل، فإن عملية إصلاح الضمائر تبدو أصعب بكثير مما نتوقع، إنها عملية أصعب من تصوّر محمد بن زايد وهو يعلن التوبة إلى الله وطلب العفو عن جرائمه بحق شعوب بأكملها.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية