لم نكن نتوقع، بعد ثلاث سنوات ونصف من عمليتي الحزم وإعادة الأمل، أننا سنصبح مهترئين، أرضًا وإنسانا؛ فكل المؤشرات يومها، من حراكٍ دبلوماسي، وضخ إعلامي، وتدخل عسكري، كانت تشير إلى وضع آخر؛ عنوانه إنقاذ اليمن من محنتها الأصعب على مر تاريخها، وإخراج اليمنيين من مستنقع الأزمات التي وضع حجر أساسها صالح، ولم يفارق السلطة إلا بعد تدشينها، ثم أشرف على تنفيذها باستخدام أدواته الطائفية والمناطقية والسياسية والاقتصادية، قبل أن يكون ضحية لما صنع!
بعد هنيهة من التدخل العسكري لأشقاء المصير، هلل غالبية اليمنيين، وكبرو؛ سيُستعاد ما فُقد من الأرض اليمنية خلال شهر أو شهرين، وستُطوى صفحة الحوثيين إلى غير رجعة، وكذلك كانت تصريحات المسؤولين عن العملية العسكرية العربية يومها، ثم لم يكن من ذلك شيئا!
تعددت الأخطاء العسكرية من قبل طائرات التحالف، وتنوعت المظاهر التي يتسترون خلفها، والتي تسببت في انحراف الهدف؛ كي يحققوا ما يرمون إليه، وانتشرت حالةٌ من الفوضى على مستوى الاقتصاد والمعيشة، وتشكلت تشكيلات مسلحة مناوئة للدولة الوليدة أمام مرأى التحالف وبدعم من دولة نافذة فيه، لتتحول اليمن إلى كومة من الفوضى.. بات المُنقِذون لنا، سببًا موازيًا للوضع الذي فيه نحن اليوم، لا فرق بينهم وبين الحوثيين إلا في المعتقد، أما الممارسة، فبذات المنهجية، مع تعدد الوسائل.!
أزمة سقطرى، التي اختبرت صبر الحكومة الشرعية، ثم تم تسكينها من الشقيقة السعودية، وعادت الإمارات للهيمنة والسيطرة على مفاصل الجزيرة دون رقيب أو عتيد، وأزمة المهرة، التي انقلبت فيها السعودية أيضاً على اتفاق محلي، بمباركة شرعية، تلته رزمة من المشاريع المعلنة للتنفيذ، كتسكين مرحلي، سيصبح فيما بعد، سبيلاً لتحقيق هدف سعودي قائم منذ عقود؛ من أجل منفذ بحري على البحر العربي؛ لتصدير نفطها بعيداً عن التهديدات الإيرانية المستمرة من حين لآخر.
يُضاف لذلك، العديد من الأزمات الأخرى، ذات أبعاد السيطرة الاقتصادية بالقوة العسكرية، فالسعودية تضرب من تحت الحزام، وأهدافها ليست آنية، النفط والغاز، وخيرات الأرض الباطنة، أما الإمارات فتنتهج إستراتيجية " عيني عينك"، بكل ما تمتلك من قوة، حيث تسيطر على كافة المنافذ البحرية، إضافة إلى الموانئ الحيوية من عدن والمخا والشحر والغيضة، وتوقيفها تماماً عن العمل، وكذلك الاستئساد بالموقف العسكري والسياسي على الأرض، من خلال دعم كيانات مشبوهة، لا صلة لها بالحكومة الشرعية، ولا بالأرض اليمنية، حيث تؤمن بالمال أولاً، وبأفكار عدائية لليمنيين ثانياً، وعليهما تبني ولاءها للإمارات، ومن أراد أن يعبث في البلاد، على هواه، وبما يتناغم مع هواها المصلحي.
مؤخرًا، انهار الريال اليمني، في سابقة خطيرة، ليشهد هذا العام انحرافًا شديدًا في القيمة السوقية للريال مقابل الدولار، وهذه أم الأزمات التي أنتجتها الحرب، وتمرد الانقلابيين، وسياسات الحلفاء المنقذين؛ فالحوثيون، سرقوا كل ما استطاعوا الوصول إليه، إذ أفرغوا خزينة البنك المركزي، وصادروا الأصول المملوكة للدولة، وقبل أيام أحرقوا ملفات الأوقاف في مبنى الوزارة بصنعاء، ليكملوا مهزلة ابتزاز البلد ومصادرة أملاك الشعب، أما التحالف برأسيه السعودي والإماراتي، فيكتفي بالمشاهدة دون تدخل فعلي لإنقاذ البلاد من دوامة الانهيار الشامل، فاليمن بالنسبة لهم، بعد انحراف أهداف الحزم والأمل، باتت هدفاً مكشوفاً؛ للتغطية المستقبلية، وعلى اليمنيين دفع المقابل لقرون قادمة، في المقابل، يمكن دفع مئات المليارات من الدولارات لأمريكا وروسيا، في صفقات تسليح مشبوهة، أو لشراء فنادق فارهة ومتنزهات سياحية تطل على أنهار وغابات، أو لشراء آراء مساندة على مستوى الإعلام والعلاقات العامة؛ لتحسين الصورة وتشويه من ليس لهم بحبيب!
نحن ضحايا أزمة تعددت أوجهها، وتنوعت أساليبها، فتجار الحروب في الشقين الشرعي والمتمرد لا يريدون نهايتها، وسياسيو الجانبين يبحثون عن صفقات مشبوهة من اللاعبين الإقليميين والدوليين، والتشكيلات الخارجة عن إطار الدولة ومستقبلها تعبث كما يريد الممولون، يفخخون، ويقتلون، ويتجسسون، وينخرون الدولة من الداخل؛ إرضاءً لكبرائهم، ونحن الكادحون ندفع الضريبة؛ قتلاً، وجوعاً، وتشريداً، ومعاناةً على كافة الأصعدة، ويزيدون فوق ذلك أن يوقفوا أي مسار نحو التحرير، أو تهيئة الوضع بما يعيد للحياة شيئًا من بريقها، حتى لا يشعر الناس بعودة المياه إلى مجاريها، حتى وإن كانت ملوثة بما أفرزته الحرب.. فاليمنيون، كُتب عليهم أن يعانوا من هؤلاء وهؤلاء، لا لشيء، فقط ما الذي دفعهم للبحث عن حريتهم، وعن نظام يضمن حقوقهم كاملة دون نقصان؟
من المؤلم حقًا، أن الأزمة ستستمر بأوجهها، شمالًا وجنوبا، هناك من ينفذ بسوط الولاية الإلهية، وهنا من ينفذ ببشائر التحالف الإنقاذية، وكلاهما يقودان الشعب إلى جهنم المعاناة، ولظى المأساة.. ألا إنهم ليسوا سواء في المعتقد، ولكنهم يلتقون في الهدف، وما عاد ذلك عنا مغيبًا، وما عدنا عن ذلك تائهين!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل