لماذا طالت الحرب؟!، ولماذا لم تحسم حتى الآن؟!.سؤال محير، وقد لا يملك أحد منا إجابة له؛ إلا أنه يمكن مقاربته من خلال التصريحات المعلنة للقوى الدولية المؤثرة.
يقول مومبيو وزير الخارجية الأمريكي، إن دعم بلاده للسعودية في اليمن لأجل إنجاح الحل السياسي عبر مفاوضات الأمم المتحدة. ولا يبدو هذا التصريح جديدا أو غريبا على الموقف الأمريكي من الحرب في اليمن، فهو ما تردده الولايات المتحدة دائما، بل انه الموقف المعلن للتحالف العربي نفسه عبر أكثر من مسئول كبير فيه، وحتى أنه موقف الحكومة اليمنية أيضا فالجميع يقول ان الحرب لأجل إنجاح الحل السياسي.
ولا يبدو هذا الموقف للاستهلاك الإعلامي فقط، فالظاهر أنه الهدف الحقيقي للتحالف العربي وقد رسمته وحددته له القوى الدولية المؤثرة كأمريكا، ولهذا السبب اتخذت الحرب هذا المسار الطويل والبطيء.
لو كان الهدف القضاء على الحوثي لاتخذت الحرب مسارا آخرا، أقله التركيز على العاصمة صنعاء، وتكثيف كل الجهود والقدرات لاستعادتها..أما المسارات الراهنة وقد توقفت الحرب على مشارف العاصمة، فيما تركزت على الأطراف حيث الحدود اليمنية السعودية في صعدة وحجة، وفي الساحل الغربي لاستعادة الحديدة، فالظاهر منها أنها فقط للضغط على الحوثي لينخرط في مفاوضات الحل السياسي، مع الإبقاء عليه كقوة سياسية، وحتى عسكرية في البلاد.
فالحوثي ليس عدوا لمصالح القوى الغربية بقدر ما تتقاطع مصالحها معه للحد من نفوذ قوى الإسلام السياسي السني كما يصورها الغرب..صحيح أن الحوثي كيان رجعي، وكهنوتي، ويقوم على الدعاوي السلالية العنصرية، وعلى الضد تماما من القيم الليبرالية والديمقراطية التي يتبناها الغرب، إلا أن هذا الأمر هو آخر ما يهتم له الغربيون في مقاربتهم لمسألة الحوثي.
فمن خلال تصريحاتهم لا يبدو الحوثي كمشكلة إلا على استحياء من حلفائهم العرب فيما يمثله من تهديد صاروخي للمملكة السعودية، أو فيما يمثله من تهديد للملاحة الدولية من خلال ارتباطاته مع نظام الملالي في إيران. ومقاربة من نوع تخلي الحوثي عن الصواريخ الباليستية، والتوقف عن مهاجمة الحدود السعودية، والانسحاب من السواحل إلى الداخل الجبلي، مع البقاء كقوة سياسية وعسكرية في الهضبة، قد تبدو مقاربة مرغوبة للولايات المتحدة، وقد لا تتحرج من إقناع حلفائها العرب بها..
وبسبب ذلك، فان الأهداف اليمنية من الحرب مع الحوثي لا يبدو أنها تتطابق تماما مع أهداف التحالف العربي، ومن ورائه الحلفاء الغربيون المؤثرون.. فيما يسعى اليمنيون لاستعادة دولتهم المختطفة بقيمها الجمهورية والديمقراطية مع معالجات مخرجات الحوار الوطني لمسألة اليمن الاتحادي الفيدرالي، لا يبدو أن ذلك تماما ما تريده دول التحالف العربي، او ما تريده القوى الغربية المؤثرة عليها.
تقول الشرعية إن استعادة الدولة بقيمها الجمهورية والديمقراطية هو هدفها، إلا أنها لا تمتلك القدرة الكافية لتحقيقه، فيما يملك التحالف العربي القدرة إلا انه لا يقول تماما ما يريد، يقول انه يدعم الشرعية لاستعادة الدولة إلا انه يمنعها من ممارسة نفوذها في بعض أراضيها المحررة، وفيما يقول أنه على الضد من الحوثي لا يبدو أنه في عجلة من أمره للقضاء عليه، هذا إن كان يريد ذلك بالفعل..
وبين الرغبة والقدرة، وبين تباين الأهداف لكل من الشرعية، والتحالف، ومن ورائهم القوى الدولية المؤثرة تاهت الحرب، واتخذت مسارها الطويل والبطيء.
لا استعادة للدولة والجمهورية والديمقراطية إلا بالقضاء على الحوثي، واستعادة كل الأراضي اليمنية منه، إلا أن القضاء على الحوثي لا يبدو خيارا غربيا قد يسمح بانجازه من خلال التحالف العربي الذي يمتلك النفوذ عليه. والمعضلة الآن، إن ما تريده الشرعية وهي المعبرة عن إرادة اليمنيين لا يمكن تحقيقه بتسوية سياسية مع الحوثي، فالحوثي لن يقبل بذلك إلا بالقوة، وان ما تريده القوى الغربية كالإبقاء على الحوثي كقوة سياسية وعسكرية في الهضبة على الاقل، لا يمكن انجازه من خلال تسوية سياسية مع الشرعية، فلا أحد فيها يملك الحق في التفريط في المكتسبات الوطنية التي يقف الحوثي على النقيض منها.. على الأقل لا يبدو أن الرئيس هادي والفريق الذي يعمل معه الآن مستعدا للدخول في تسوية من هذا النوع، كما لا يبدو ان لدى القوى الغربية وحتى التحالف العربي الشرعية و القدرة على الإتيان بقيادة سياسية جديدة تكون قادرة على تمثيل اليمنيين وشرعيتهم السياسية الأخيرة لانجاز مثل هذه التسوية مع الحوثي.
و في مثل هذا الوضع السياسي والعسكري الراهن، لا يبدو أن تسوية سياسية ممكنة عبر المفاوضات المرتقبة التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف في سبتمبر القادم. فما تريده الشرعية لن يقبله الحوثي بالمفاوضات، وما قد تسعى الدول الغربية لإقناعه به من خلال مقاربة المسألة من خلال الصواريخ الباليستية، والحدود، والسواحل، لا يبدو أن الحوثي سيقبله أيضا، أما الحديث عن بقاء الحوثي كقوة عسكرية في الهضبة فهو أمر لا تملك الشرعية الجرأة على القبول به..
إذا، لا تسوية سياسية ممكنة في القريب العاجل، كما لا حسم عسكري قريب في ظل التباينات الواضحة بين ما تريده الشرعية، وبين ما يريده التحالف العربي، أو ما تريده القوى الغربية المؤثرة عليه. فمن يملك الشرعية لا يملك القدرة، ومن يملك القدرة لا يملك الشرعية، أما الحوثي فهو لا يملك القدرة، ولا الشرعية، و لا حتى السنن الكونية للبقاء، ما يبقيه فقط ويطيل الحرب معه الا التباين الحاصل بين أهداف وأولويات الشرعية، والتحالف العربي، والقوى الدولية المؤثرة..
و لكسر هذه الدائرة التي تباطأت معها الحرب، قد نحتاج لكسر معادلة الشرعية والقدرة، لانجاز احدهما ما يريد، الا ان كسر الشرعية قد يمرر مسألة الإبقاء على الحوثي كقوة عسكرية مهيمنة على جزء مهم من البلاد. فيما كسر القدرة لصالح الشرعية قد لا تكون مسألة سهلة ومرغوبة للقوى الإقليمية والدولية المؤثرة.
قد يتطلب الأمر قبل ذلك تقوية الصف الداخلي، وأول ما نحتاجه في هذا الشأن معالجة الإشكال الحاصل في الجنوب، ومعالجة الخلاف مع القوى الشمالية التي كانت محسوبة على الرئيس صالح، فمن خلال ذلك الإشكال، وذلك الخلاف تسلل الحوثي للسيطرة على البلاد، ولا يزال يستفيد منهما لإطالة أمد الحرب.
أما الحديث عن كسر الشرعية لأجل اكتساب القدرة، فهو لا يبدو كلاما معقولا، فان كسرت نكون لا نملك الشرعية ولا القدرة، ومن يملك القدرة في ظل غياب الشرعية يمكنه ان يفعل ما يريد. ومن يملكون القدرة الآن قد لا تكون مشكلتهم مع الحوثي نفس مشكلتنا معه، فهم قد يتعايشون معه ان ضمنوا مصالحهم، إلا أن اليمنيين أو بعضهم حيث لا يزال يسيطر لن يطيقوا العيش في نظامه الكهنوتي العنصري، وسيكون من العار والجرم في حق الأجيال القادمة إن سمحنا بحدوثه بقصد، أو بدون قصد.
تقوية الشرعية من خلال تقوية الصف الداخلي، ودعم موقفها من الحل السياسي هو خيارنا الوحيد لاكتساب القدرة على الحل السياسي العادل، أو الحسم العسكري المشروع.
وبدون ذلك قد لا تحسم الحرب قريبا، وان حسمت قد لا تكون كما نرغب أو نريد لصالح اليمن الجمهوري الديمقراطي الواحد والكبير.
اقراء أيضاً
في مستقبل الصراع اليمني بعد غزّة؟
عن فرص السلام ومخاطره في اليمن
"هُدنة".. أم فرصة خطرة