فيما قالت إنه دعم لأهل غزّة، أعلنت جماعة الحوثي عن مسيرةٍ لحشد عسكري من محافظة البيضاء إلى تخوم محافظة مأرب النفطية، آخر أهم معاقل الحكومة الشرعية في شمال البلاد. ولكن غزّة ليست في مأرب، كما ردّ يمنيون، إلا أن تعليقات الحوثيين لا تخلو من تهديدات بسحق القوات الحكومية في مدينة مأرب ليس باعتبارها "مرتزقة للتحالف السعودي الإماراتي" كما يصفونها دائما، وإنما باعتبارها موالية للعدوان الأميركي الصهيوني على فلسطين، واليمن هذه المرّة، ففرصة مثل هذه لن يفوّتها الحوثيون لتصوير معركتهم مع الشرعية اليمنيّة جزءاً من المعركة التي انخرطوا بها في البحر الأحمر وخليج عدن ضد السفن الإسرائيلية أو المتّجهة إلى إسرائيل..
وهو موقفٌ دفعوا لأجله مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول غربية متحالفة معهم، نفّذت ضربات محدودة في الداخل اليمني للحدّ من قدرات الحوثيين، وعلى حجم الموقف المقدّم يسعى الحوثيون إلى تعويضه من خلال بسط سيطرتهم على كامل البلاد، والاستعدادات جارية لذلك من خلال التحشيدات العسكرية تجاه محافظات مأرب التي لا يزال مركز محافظتها مع الشرعية، والبيضاء والجوف، اللتين يسيطرون عليهما.. وكذلك باتجاه القوات الموالية لطارق صالح في الساحل الجنوبي للبحر الأحمر في المخا وباب المندب. ولهذا السبب، تلكأ الحوثيون في توقيع المبادرة السعودية للسلام التي كانوا قد توصلوا إليها في الرياض مع الوساطة العُمانية، فهناك معركة عسكرية يحضّرون لها وقد تنطلق في أي لحظة.
لكن هل يبدو التحالف السعودي الإماراتي جاهزا لهذه المعركة؟ وهل يرغب بها أصلا؟ وهل تبدو الأطراف اليمنية المنضوية في الشرعية اليمنية راغبة أو مستعدّة لها؟ يمكن القول وبعكس التوجّه الحوثي الواحد والمحدّد من المعركة القادمة، بهدف استكمال السيطرة على كل اليمن تحت شعار جديد، مواجهة العدوان الأميركي الصهيوني، إن موقف القوى المنضوية في تحالف الشرعية ليس موحّدا كما هو لدى الحوثيين، فالسعودية، بحسب الاتفاق الصيني مع إيران، ولرغبتها في لعب دور الوسيط مع الحوثيين، قد تنأى بنفسها عن المعركة المقبلة. أما الإمارات فكانت قد أعلنت انسحابها رسميا من اليمن في 2019، رغم بقاء بعض قواتها وقادتها لقيادة بعض المليشيات الموالية، وبالتالي، قد لا تتدخّل بشكل مباشر إلا عبر المليشيات الموالية لها.
قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لصحافيين في الرياض الأسبوع الماضي إن الضربات الأميركية والبريطانية على أهداف للحوثيين "ليست حلاّ"، وإن "الحلّ هو القضاء على قدراتهم العسكرية" من خلال الشراكة مع الحكومة الشرعية للسيطرة على المناطق المسيطر عليها من الحوثيين، واستعادة مؤسّسات الدولة".
وبعكس ما لتصريحات العليمي من رغبة واضحة في استعادة الأراضي من الحوثي، إلا أنها تخلو من قدرة على ذلك، وتبدو تصريحاتُه كمن يبحث عن تلك القدرات لدى أميركا وشركائها الغربيين، وهو أمر مرهون برغبة أميركا، وتوجّهاتها تجاه إيران ومليشياتها في المنطقة أكثر من أي شيء آخر.
يشارك نائب رئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، العليمي هذه الرغبة في الشراكة مع أميركا وبريطانيا لحرب الحوثيين، وقد عبّر عن ذلك في تصريحات صحافية على هامش حضوره مؤتمر دافوس أخيراً، إلا أنه يزيد عليه برغبته في دعمهم انفصال الجنوب، باعتبار ذلك الضامن لأمن الملاحة في باب المندب.. مع أن هجمات الحوثيين تنطلق من المرتفعات الجبلية التي يسيطرون عليها، والتي تبعد عن السواحل مئات الكيلو مترات.
رغم ذلك، ونظراً إلى تعدد ولاءاتها ووضعها اللوجستي، لا يبدو أن القوات الموالية للشرعية قادرة على شنّ هجوم على القوات الحوثية. ووحده الحوثي من يملك القدرة والرغبة في ذلك، وعودة القتال مرهونة بهذه القدرة وتلك الرغبة الحوثية المعبّر عنها بوضوح لفرض السيطرة على كامل الأراضي اليمنية.
من ملامح هذه المعركة التي يعدّ لها الحوثي هجوما، والقوى الأخرى دفاعاً، أنها قد تكون محلية صرفة، وقد لا نرى طيران التحالف العربي متدخّلا بها مع تفضيل السعودية لعب دور الوسيط، وإعلان الإمارات الانسحاب رسميا من البلاد. يظنّ الحوثي أن في موقفه من نصرة غزّة ثمنا يجب أن يجنيه في فرض سيطرته على كل اليمن، فيما تظنّ الشرعية في هذا الموقف فرصة لإقناع أميركا وبريطانيا في خطورة بقاء الحوثي جبهة إيرانية متقدّمة تهيمن على الملاحة في البحر الأحمر.
إلا أن دعم أميركا وحلفائها استراتيجية جديدة للتخلص من الحوثي قد لا يكون ممكنا في القريب المنظور، على الأقل في ظل ولاية بايدن الراهنة، وقد دخلت في عام انتخابي يرغب فيها الرجل في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، وعدم الانشغال بها في استراتيجيات كبرى. إلا أن أميركا وحلفاءها قد لا يرغبون في رؤية الحوثي مسيطرا على كل اليمن، وقد يدعمون قدرات خصومه في صدّ هجومه المحتمل.
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
عن فرص السلام ومخاطره في اليمن
"هُدنة".. أم فرصة خطرة
مشاورات الخليج في مهمة صعبة