في مقال سابق تحدثت فيه أن المجتمع الدولي بكل مؤسساته ميال لمساواة الانقلاب مع الشرعية في طبيعة الانتهاكات ومشروعية المطالب. لم ينظر المجتمع الدولي يوما للمتوفي صالح كانقلابي، ولا الحوثي كمتمرد على الشرعية، بل دخل الجميع، بما في ذلك الشرعية، تحت مصطلح (أطراف الحرب). وهو الاصطلاح الذي ورد في أكثر من تقرير لمجلس الأمن أو فرق التحقيق الدولي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
يحسبون أخطاء طيران التحالف على الشرعية، التي ترفضها أصلا وتتمنى تفاديها. كونها تدرك أن هكذا أخطاء تضعف موقفها أمام الشعب، بل وتشوه مشروعيتها. فالشرعية- بطبيعة الأسس التي تستند عليها- لا تسمح أن تمارس سلوك العصابة ما دامت تسعى لاستعادة الدولة والعمل على تطويرها كمبدأ ثابت، لا يتوافق أخلاقيا مع مختلف الانتهاكات؛ من قبيل تجنيد الأطفال واستهداف المدنيين وغيرها من الانتهاكات الجارية في اليمن.
أما الحوثيون فهم يستميتون في السيطرة على الدولة كمغنم وكوسيلة للإثراء والاستبداد. ولذلك يجندون في سبيل هذا الهدف كل متاح أمامهم؛ من تجنيد أطفال واستهداف مدنيين ونهب أموال الناس والسطو على ممتلكاتهم ومحو كل من يقف في طريقهم ولو بمجرد الكلمة.
المجتمع الدولي يتعامى عن طبيعة المنطلقين واختلافهما. وعلى أساس هذا التعامي، تصدر قراراته وتوصيفاته ذات الطابع المساوي بين الجميع وتحت مصطلح (أطراف الصراع)...!
خذوا على سبيل المثال؛ ما صدر عن فريق التحقيق الدولي خلال الأيام الأخيرة، والذي جاء فيه: "قمنا بتوثيق أعمال مروعة لانتهاكات ارتكبتها أطراف الصراع في اليمن". لا فرق عندهم بين شرعية وانقلاب، ما دام الكل في نظره مجرد أطراف صراع، لا يهم توصيفهم وفرزهم كانقلاب وشرعية. وهذا ما يوحي بأن الحلول التي يسعى إليها مجلس الأمن، ومن وراءه دعم القوى الدولية، هي تقاسم اليمن على أساس يصعب معه بناء دولة محترمة ولو في حدودها الدنيا...!
ثم مضى حديث فريق التحقيق الدولي على هذا المنوال قائلا: "الحوثيون مارسوا تعذيبا وجندوا أطفالا وهو ما قد يصل إلى جرائم حرب. والسعودية والإمارات والحكومة اليمنية مسؤولون عن انتهاكات باليمن، هي الأخرى ترقى إلى مستوى جرائم حرب".
إذن؛ هكذا حمّل فريق الخبراء، المكلف بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، جميع الأطراف المسؤولية عن ارتكاب الجرائم بالتساوي ودون تفريق بين حجم وطبيعة هذه الانتهاكات بالنسبة لكل طرف!! حمَّل الإمارات والسعودية والحكومة اليمنية المسؤولية عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد.
لقد أكد رئيس فريق الخبراء كامل جندوبي أن كافة أطراف النزاع المسلح في اليمن انتهكت القانون الإنساني الدولي. قال جندوبي في مؤتمر صحفي بجنيف إن مجموعة الخبراء الأمميين حددت الأشخاص الذين انتهكوا القانون الدولي لحقوق الإنسان في حرب اليمن، ووضعت قائمة سرية بأسمائهم لتقديمها اليوم إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد.
وأضاف أن (جميع أطراف النزاع) في اليمن ارتكبت عددا كبيرا من الانتهاكات، ومنها القصف العشوائي والتعذيب والإخفاء القسري والاعتداء الجنسي واستخدام الأطفال في الحرب.
المهم أنه لم يرد في التقرير ما يفرق بين شرعية وانقلاب. وهذا هو بيت القصيد الذي ينطوي عل استهداف مباشر للشرعية...!
ذهب البعض للتشكيك في أخطاء طيران التحالف بحق المدنيين، وأنها قد تكون من باب اللا مبالاة عند بعض الدول المنضوية في التحالف، ولأسباب يهدفون من خلالها إلى خلق حالة من السخط الشعبي الذي يمكن الحوثي استثمارها وتأطيرها لتعزيز جبهاته، كلما شعر هذا الطرف- الزائغة طائراته- أن الانقلاب على وشك التداعي تحت تأثير ضربات الجيش الوطني.
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور