لن تراق دماء الأضحية في أول أيام العيد فحسب، وإنما دماء بني الإنسان في أكثر من منطقة ساخنة في الخارطة الإسلامية النازفة، مع وجود الفارق في الهدف والحكمة من إراقة الدم؛ يذبح الناس الأضحية تقربا لله، ويذبح الحاكم الناس تقربا إلى طموحاته.
في زمن ما، قرر النبي إبراهيم عليه السلام ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، امتثالا لأمر إلهي أوحي إليه في المنام، ولما امتثل النبيان العظيمان للأمر الإلهي، افتدى الخالق سبحانه نبيه إسماعيل بكبش عظيم، لتصبح الأضحية بعد ذلك تخليدا للامتثال للأوامر الإلهية، وسنة في ديننا الإسلامي يقوم بها المسلمون كل عام، على اختلاف أجناسهم، وتعدد أقطارهم وتقسيماتهم بفعل الاستعمار الغربي.
في عالمنا الإسلامي الممهور ببصمات الدم القاني، ثمة من يرى في نفسه إلها يذبح ملايين البشر ويقرر مصيرهم متحديا التشريع الإلهي والأوامر الإلهية، التي أعلت من الإنسان وكرمته وصانت حقه الأصيل في الحياة الكريمة الآمنة، بل وجعلت حياته أثمن من هدم الكعبة، قبلة المسلمين وبوصلة حياتهم.
الطاغية العربي، صورة مشوهة من التألّه على مر العصور الغابرة، تبدأ ألوهيته مذ تسلمه مقاليد السلطة وتنتهي عندما عند عتبة باب المقبرة، وربما تستمر بعد وفاته، وتلك جريمة تورطت الشعوب في جزء منها على الأقل، فلم يكن الطاغية إلها لولا أن هناك من ألّهوه، وتمسحوا بألقابه ونعاله طلبا للرفعة والعلو، الذي لم يكن سوى انحطاط روحي يفقد الإنسان إنسانيته ويحوله إلى ما دون الحيوان.
ذات زمن، وُصف المقبور صالح من مؤلهيه: من قبلك عدم ومن بعدك ندم، وقال مؤلهو بشار الأسد: الأسد أو لا أحد.. الأسد أو نحرق البلد، وقد أحرقوها فعلا، وقال أحد مؤلهي السيسي، أنه رسول كموسى وهارون أرسله الله لإنقاذ الشعب المصري، فيما طالب مؤلهو بوتفليقة منه الترشح مدى الحياة لإدارة بلد عريق من فوق كرسي متحرك، ولم يكن مستغربا في ظل هذا التأليه المخجل أن يبالغ وزير مغربي في الانحناء والركوع أكثر من المعتاد وهو يؤدي اليمين أمام جلالة الملك!
عيدنا أيها الطغاة، عندما يحل، يوحد المشاعر الروحية لملايين المسلمين في كل بقاع الأرض، وجزء من هذه الوحدة يظهر جليا في أداء مناسك الحج بمكة المكرمة، وأداء الشعائر التعبدية المتعلقة بعيد الأضحى، تقربا إلى الله وامتثالا لشريعته، أما أعيادكم أيها الطغاة لا تلزمنا شيئا من شعائرها، التي تقام على رقاب الخلائق، وفوق أنهار من الدم. شعائر تبدأ بالهتاف وتقديم قرابين الطاعة والولاء ولا تنتهي عند حفلات التهريج والردح عبر الفضائيات الرسمية!
والطاغية في أوطاننا لديه شعائره الخاصة به، فهو مؤمن بكل الأعياد عدا عيدي الفطر والأضحى، وهو مؤمن بالتضحية لأجله من قبل الشعب، كونه إلها زائفا يتخذ من غلاء الدم الإنساني سلم هش للترقي والاستعلاء، وهو مؤمن فقط بالهتاف والتلبية له ولعائلته وأحفاده من بعده، وهو ينحر الناس بمناسبة وبدون مناسبة طوال أيام العام، حتى يخلص الله البشر من ظلمه وجبروته بالموت أو الانقلاب.
سيحتفي المسلمون هذا العام بعيد الأضحى رغما عن المآسي التي تعصف بهم، وبقدر ما هو مناسبة لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، فإنه مناسبة مؤلمة لاستحضار من فقدوا أقاربهم الذين دفعوا حياتهم ثمنا لإيمانهم وكفاحهم، في اليمن ومصر وسوريا وليبيا والعراق وأفغانستان وميانمار وغيرها.
وأمام خريطة مأساوية لأمة إسلامية تحتفي بالعيد رغم كل الدسائس والمؤامرات التي تتعرض لها، لا يسع المرء إلا أن يكون متفائلا بهذه الفرحة المؤقتة، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية