دون أدنى شك، تحتاج السلطة الشرعية إلى إعادة ترتيب الأولويات، التي تمس مصالح ملايين اليمنيين داخل الوطن وخارجه، بدل الانشغال بمصالح فئة سياسية كانت سببا رئيسيا في مآسي اليمنيين خلال السنوات الماضية.
وفي ظل ظروف قاسية تمر بها البلاد، يظل الاهتمام بالأولويات أساسا للتحرك أو اتخاذ القرارات، حتى لا يهدر الوقت والطاقات في أمور ثانوية، لا تمت بصلة للمسألة الرئيسية، وهي معركة إنهاء الانقلاب وتحرير الأرض اليمنية من دنس العصابات الحوثية، وإنهاء المعاناة الإنسانية لمتضرري الحرب، وبالتالي يمكن قياس مدى اهتمام السلطة الشرعية بترتيب الأولويات، بالبحث عن الصلة بين الخطوات ومدى ملامستها لهموم وتطلعات ملايين اليمنيين.
من الأولويات التي يجب على هادي أن يراعيها في تصرفاته وقراراته، إصدار القرارات التي من شأنها تعزيز الحسم العسكري وتسريع تحرير المناطق والمدن من قبضة العصابات الحوثية، وإصدار قرارات عاجلة لمعالجة الإختلالات الأمنية والتصدي للفوضى وجرائم الاغتيال، وأيضا، إصدار قرارات من شأنها الحفاظ على تماسك الدولة والحفاظ على كيانها والوقوف في وجه الكيانات الخارجة عن سلطة الدولة، ومن الأولويات أيضا عدم إصدار قرارات لا قيمة لها أمام معاناة ملايين المواطنين كالتعيينات التي جرت في الآونة الأخيرة، التي تندرج في إطار تدوير النفايات السياسية لشخصيات متورطة في قتل اليمنيين.
مؤخرا، أصدر هادي بتعيين حافظ معياد مستشارا له، ورئيسا للمؤسسة الاقتصادية، ومعياد لمن لا يعرفه شخصية متورطة بجرائم اعتداء وقتل بحق المتظاهرين السلميين خلال ثورة فبراير 2011، وليس معياد وحده من شملته قرارات التدوير، فهناك كثر ممن عملوا في النظام السابق وتورطوا بجرائم عدة بحق اليمنيين، وبمجرد اختلافهم مع الحوثيين وارتمائهم في حضن الشرعية، يكون القرار جاهز بمنحهم مناصب سياسية في دولة انقلبوا عليها ولم يحافظوا عليها، وكانوا سببا في تدميرها وتفككها.
كغيري من المواطنين أتساءل: لماذا يتعامل هادي بكل برودة مع معاناة ملايين اليمنيين، ولا يحترم تضحياتهم؟ ولماذا يصر هادي على إصدار قرارات وتعيينات لا جدوى منها، بينما لا يزال منصب مهم كوزير الدفاع شاغرا منذ ثلاث سنوات ونصف بعد اعتقال الوزير خاصة وأن البلد تخوض حربا عسكرية مصيرية، ولا تعيش في ترف واستقرار؟ ولماذا لا يتخذ هادي قرارات جادة تنصف الضحايا وتخفف من المعاناة الإنسانية لليمنيين، وتوقف الانتهاكات بحقهم في المناطق المحررة؟ ولماذا لا يصدر قرارات لمعالجة الوضع الاقتصادي الكارثي، واستئناف تصدير النفط والغاز الطبيعي وإعادة تفعيل الموانئ؟ ثم كم تنال مسألة ترتيب الأولويات من اهتمامات الرئيس هادي وحكومته ومن بعدهم تحالف دعم الشرعية؟
لايزال الرئيس هادي يدير البلد وفق عقلية ما قبل الحرب، القائمة على المحاصصة السياسية وتقاسم المناصب، وهذه بطبيعة الحال لا تتناسب وطبيعة المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد. الوضع يحتاج إلى إعطاء الأولوية للكفاءة والقدرة بدلا عن المحاصصة والتقاسم، الذي يؤثر على طبيعة المعركة القائمة، فيصبح المسئول خاضعا للانتماء السياسي بدلا من الانتماء الوطني، وتصبح المشاريع ذات الطابع الحزبي أولوية بدلا عن المشاريع الوطنية الجامعة، فتضيع القضية وتتشتت ويتفرق صداها بين الأحزاب السياسية، ومماحكاتها المتدثرة بثوب القضية.
تحالف دعم الشرعية أيضا يفتقر إلى ترتيب الأولويات، وهذا من الأسباب التي أدت إلى تأخير الحسم العسكري، وإتاحة الفرصة أمام الحوثيين للتمكن وبناء قدراتهم، وبدل من يولي التحالف أهمية قصوى للمعركة الرئيسية المتمثلة في إنهاء الانقلاب وإعادة مؤسسات الدولة، ذهب باتجاه تشكيل مؤسسات موازية للشرعية، وإعطاء الأولوية للقضاء على حزب الإصلاح المؤيد للتحالف والشرعية، بدلا عن القضاء على الميليشيا الحوثية، وكانت نتيجة هذا التخبط باهظة الثمن؛ عشرات الصواريخ الحوثية تضرب مدن سعودية بشكل مستمر، وتهديدات جديّة للملاحة البحرية.
بعد كل هذه التضحيات والمعاناة الإنسانية الأسوأ في العالم بحسب الأمم المتحدة.. هل يحتاج اليمنيون إلى قرارات جمهورية لا علاقة لها بمعاناتهم؟ وهل اقتصرت مهمة هادي الرئيس في إعادة تدوير نفايات صالح بدلا عن مهمة التحرير التي يتطلع لها ملايين اليمنيين؟ ألم يحن الوقت بعد حتى تنال معاناة المواطنين وحسم المعركة أولوية في جدول اهتمامات السلطة الشرعية وتحالف دعمها؟
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية