أذكر قبل فترة، وفي أحدى نوبات صرع اختفاء الغاز المنزلي، أني شاهدت امرأة في هيئة حسنة تدحرج اسطوانة غاز بقدمها وهي ترغي وتزبد قائلة لأخرى تسير بجوارها: "الرجل راقد في البيت وأنا أتعرض للإهانة هنا..! قال لي روحي أنت بيعطوك الغاز بدون مساربة لأنك حرمة".
قلت في نفسي: هذا رجل بلا مروءة لا كثّر الله من أمثاله.
إنها الحرب والوضع الاقتصادي السيء الذي خلق تصرفات وأفعال كانت مستنكرة أفسدت بدورها العلاقات، ومنها العلاقات الأسرية كدفع النساء لطلب الرزق أو اضطرارهن للخروج من المنزل لتوفير متطلبات الحياة. رغم أن هذه التصرفات تبدو أخفها وطأة على النفس، فكلما توغلت أفعال الحرب في أخلاق البشر، ترَحّمنا على ما مضى من أخلاق.
حدوث حالات طلاق وشتات أسري بسبب اختفاء الراتب وتدهور الحالة المعيشية، وتفشي قصص المشاكل الأسرية التي أفضت إلى الطلاق أو الانتحار تملأ أسماعنا ونعايشها في مجتمعنا. إنه ذلك الأثر السيء للحرب على الأسرة بشكل خاص كما هو على المجتمع والوطن.
الطلاق والتمزق الأسري، مهما بدت نسبته مجهولة، إلا أنه وجه قبيح آخر لتداعيات الانقلاب، من نهب مستحقات الموظفين وجرجرة البلاد إلى تحت خط الحياة الكريمة. لجوء الكثير من النساء إلى أعمال شاقة أو مهينة تحت ذل الحاجة، إما مساندة لعائل البيت، أو الحلول مكانه في إعالة الأسرة إن كان من ضحايا الحرب.
أعمال وطرق لم تكن لتطرقها المرأة لولا مرارة الواقع الذي وصلنا إليه. كثير من الروابط تتمزق في حضور طبيعي يصاحب الحرب بأحداثها الدامية، لتتشكل حالة من التفكك، تظهر في المجتمعات أثناء وعقب انتهاء الحرب.
التمزق في النسيج الاجتماعي، الذي حذر منه المنظرون، تجاوز التركيب المجتمعي أو الحزبي، ليتعمق شرخا نازفا على مستوى الأسرة التي عانت من تبعات الحرب، ليس فقط على صعيد الخسارات في الأرواح ومشقة النزوح أو الفقر الذي شتت شملها في سبيل طلب الرزق أو الفراق بين الزوجين بسبب المعيشة. بل أن كثير من العادات والتقاليد التي تحفظ وحدة الأسرة وتصون المرأة، انهارت تحت ضربات الحاجة وضيق العيش وطغيان فساد الحرب.
غياب القانون وانعدام الأمان، تسببا في تفاقم الجرائم الأخلاقية الناتجة عن اضطرابات نفسية وجدت لها مرتعا في حالة الهرج التي نعيشها. أصبحنا نسمع كل يوم عن جريمة اختطاف لنساء واعتداء على الشرف...!!
جرائم لم تكن لتحدث- كخطف الأطفال والنساء واغتصابهم؛ أو القتل الأسري؛ أو جرائم الانتقامات العاطفية الموصومة بعلل نفسية مخيفة- لولا فوضى الحرب وغياب الرادع القانوني وضياع الأخلاق وتفشي المرض النفسي.
وفي الخلاصة؛ إن محاولة التعايش مع الوضع المضطرب، أنتج أزمات نفسية ومشاكل جديدة تتناسل في بيئتها الطبيعية. فلا دخل ولا قانون ولا أمان ولا حرمات أو قصاص..!
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية