لا تبدو عدن بخير؛ فأولى المحافظات تحرراً من عبث الحوثيين، وعاصمة البلاد المؤقتة، لا تكاد تخرج من مأزقٍ إلا وأُقحمت في مأزقٍ آخر؛ كأنه مكتوب عليها أن تبقى مكتوية بوضع البلاد العام، على الرغم من أنها تمكنت من طرد المليشيا في وقت قياسي مقارنةً بالمحافظات الأخرى التي لا تزال تصارع للتخلص من الحوثيين وعصاباتهم الإجرامية.
مئات الإختلالات الأمنية، التي جعلت العاصمة قاب قوسين أو أدنى من فشل ذريع على المستوى الأمني والإستخباراتي، فالجهازان يظهران عجزاً غير مبرر في التعامل مع حوادث الاغتيالات شبه اليومية، ومع سلسلة التفجيرات الإنتحارية الدورية التي حوّلت عدن إلى محافظة أقرب ما تكون إلى الفشل الأمني والإداري وبالتأكيد ذلك يلقي بظلاله على الجانب الخدمي وما يتعلق باحتياجات الناس وحياتهم اليومية.
بعد غياب طويل استمر لنحو عام، عاد الرئيس هادي إلى قصر المعاشيق؛ لمزاولة مهامه كرئيس للبلاد، كانت العودة بالنظر إلى ما سبقها من أحداث عودةً تاريخية، تكللت بالنجاح بعد موافقة إماراتية وتصالح برعاية سعودية نتيجة أزمة محاولة الإستيلاء على جزيرة سقطرى، والشكوى اليمنية ضد الإمارات في مجلس الأمن.
إعلامياً، تبدو الأمور طيبة، وبأن ما فات مات، وتبادل الجانبان الابتسامات وسط حفاوة الاستقبال وسيل عارم من التصافح الذي يؤكد طي صفحة أزمة سقطرى وفتح صفحة جديدة على وقع عملية واسعة بدعم غير مسبوق لاستعادة الحديدة ومينائها الإستراتيجي، فيما وراء الكواليس ما لا نعلمه ولا نستطيع الوصول إليه البتة، على الرغم من تشكيلات النخبة المكتسحة لمحافظات الجنوب، والسجون السرية التي تناولتها وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية في تقرير خاص لها.
من الواضح أن زيارة أبو ظبي أفضت إلى عودة هادي، ولكن الجهة التي أذنت للرئيس بالعودة، كان لها مآرب أخرى، وأبعاد ستستفيد منها معية الجارة السعودية، أهمها دحض ما تسميه مزاعم منع عودة هادي إلى عاصمة بلاده، وأن الرئيس المحتجز سابقاً كان في مقر اختياري بالرياض، حتى وإن كان لا يستطيع الرد على تلفونه الشخصي ولا يحق له تحديد وجبات أكله، أو ضيوفه ومرافقيه!
يضاف للأبعاد المرتجاة من إعادة الرئيس، طي صفحة أزمة سقطرى، التي لم تتهاون معها الحكومة الشرعية، وذكّاها الشعب من خلال حملات إعلامية مدروسة، إضافة إلى توافق الرؤى السياسية فيما يتعلق بعدم المساس بسيادة الأرض اليمنية وإن كان ذلك من حليف منقذ!
كما لا يمكن إغفال التقرير الصادر من وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية بخصوص سجون إماراتية سرية في عدن وحضرموت، وما تلاه من تحرك حقوقي على أعلى مستوى؛ حيث استجابت منظمة العفو الدولية للتقرير وأرسلت لجنةً مختصةً للإطلاع على السجون في المحافظات المحررة وتداول الموضوع مع القيادات الأمنية.. ضمنياً، كل القيادات الأمنية أدلت بشهادات إيجابية لصالح الإمارات، حتى الرئيس نفسه نفى ذلك، لضغوط ما، على الرغم من يقينية الحدث، الذي تؤكده أمهات المخفيين قسرياً في عدن وحضرموت من خلال مظاهرات تطالب بالإفراج عنهم، وشهادات سجناء سابقين تعرضوا لتعذيب وحشي داخل تلك السجون.
أُعيد هادي إلى عدن؛ لاستخدامه كورقة رابحة؛ من أجل تحسين صورة قطبي التحالف العربي أمام العالم سياسياً وحقوقياً، ومع انتهاء فترة الضغط الدولي بخصوص تقرير العفو الدولية ومطالب الكونغرس الأمريكي حول شكوك السجون السرية، طُولب هادي بالعودة الفورية إلى الرياض، إذ لا مُقام له في عدن، لكن الرئيس أصر على البقاء مهما كانت الكُلفة، وتحدث في تصريح له عن أنه لن يغادر عدن مجدداً حتى الموت، وأنه يريد أن يقضي ما تبقى له في حياته بين أبناء شعبه؛ ملامساً لهمومهم، مشرفاً على إتمام عملية التحرير، مُديراً للعمليات العسكرية التي تشنها الحكومة الشرعية على المتمردين الحوثيين في أغلب المحافظات.
أمام هذا الصمود المشهود من الرئيس هادي، تتلون عدن، فالعاصمة عادت إلى ما كانت عليه قبل عودته، العبوات الناسفة، والتفجيرات الإنتحارية، وعمليات الاغتيال بوتيرة أعلى من قبل، تستهدف قيادات أمنية وعسكرية موالية لهادي والحكومة الشرعية، وقيادات حزبية واجتماعية ودينية، ضمن مسلسل إفراغ عدن من رموزها.
تظل الورقة الأمنية ورقةً ملطخة بالفشل؛ بسبب أنها تتبع من يمكن اعتبارهم تابعين لجهات لا ترضَ أن تظل عدن آمنةً ساكنةً مستقرة، وليس من مصلحتها بقاء الرئيس هادي فيها، وسيخلط أوراقَها ممارسةُ الحكومة الشرعية مهامها كاملةً وإشرافها على تطبيع الحياة في كافة المحافظات المحررة.
من الواضح أن الرئيس هادي يواجه تحديات جمّة وعقبات كبيرة بسبب تمسكه بالبقاء في عدن، حتى أنه أرسل رئيس الحكومة لمقابلة المبعوث الأممي في الرياض؛ رافضاً مقابلته في أي مكان آخر غير عدن، وهو ما يؤكد الضغوط المفروضة عليه، وإلا ما الذي دفع بجريفيث أن يَعدِلَ إلى الرياض دوناً عن عدن التي التقى فيها هادي مرتين؟!
وسط هذه التطورات الظاهرة، على مستوى الضغط السياسي والأمني والعسكري، وفي ظل جر عدن إلى مستنقع الفشل بسبب حسابات لأطراف إقليمية، ليس من مصلحتها أن تستتب الأمور وتستقر الأوضاع.. هل يصمد الرئيس في عدن، ويؤدي مهامه على أكمل وجه دون تنغيص؟!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل