أوهامُ السلطان، لستَ الفاروق ولن تكون خليفة، جاهلٌ بالتاريخ وأكذبُ السياسيين، أخطرُ رجل على تركيا والعالم.. هكذا عنونت بعض الصحف العربية والعالمية صفحاتها الأولى، بعد إعلان الطيب أردوغان عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في البلاد.
مثّل الإعلان ضربةً استباقية غير متوقعة وصادمة لأولئك الذين ينتظرون نهاية ولايته الأولى على أحر من الجمر، لذا نفثوا سمومهم الإعلامية دون توقف، والغريب في ذلك أنهم يعيبون على الرجل ترشحه لولاية ثانية كفلها الدستور التركي باستفتاء شعبي عام، ويزيدون أن يصبوا جام غضبهم على نجاحات أردوغان القياسية بحملات موجهة بواسطة وسائلهم الإعلامية المتنوعة غير مدركين أن هناك شعب هو من يملك القرار ولا يأبه لشيء مما يقولون!
الغريب في الأمر أيضاً، أن أغلب هذه الوسائل لم تعايش استحقاقاً ديمقراطياً واحداً في بلدانها، فالسلطة عندهم مطلقة بيد شخص واحد ولا تتخطى الأسرة الحاكمة، ولا ينتقل الحكم من شخص لآخر إلا بموت الحاكم أو بانقلاب عسكري دموي يدفع الشعب ضريبة انعكاساته السلبية وآثاره الكارثية.
قدّم أردوغان خلال خمسة عشر عاماً من الحكم نموذجاً مثالياً للديمقراطية في المنطقة، ففي ذات الفترة مارس الأتراك حقوقهم المكفولة في الترشح والانتخاب سبع مرات، وهو رقم قياسي يؤكد مدى المساحة المفرودة للشعب كي يتخذ قراراته ويختار حاكميه دون تدخلاتٍ عسكرية أو استغلالات اقتصادية.
ها هو يجني ثمار ما قدّمه لشعبه، حمل همومه الاقتصادية على كتفيه، قاد مسيرة التنمية بحنكة إدارية فريدة، أخرج الدولة التركية من مستنقع الفشل، وأعاد لتركيا اعتبارها الإقليمي وزخمها الإمبراطوري العثماني، لقد ألهم أبناء شعبه ليتوجهوا نحو نهضة مستديمة، وسطّر مع فريقه المتكامل الإداري والتنفيذي دروساً عمليةً في تحقيق المستحيل، فتركيا ما قبل 2002 ليست تركيا اليوم، وتركيا ذات الرؤية الإستراتيجية الواضحة، ليست تركيا العشوائية المتخبطة، التي لا مكان لها في خريطة النجاح ولا مكانة لها بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، هاهي اليوم رقم صعب لا يمكن تجاوزها، قوة سياسية، وقوة اقتصادية، ولاعب عسكري فعّال في المنطقة، وذو مؤشرات تنموية عالية على مستوى التعليم والبحث والإنتاج المتنوع، وذلك كله تتويج لبرامج التنمية المستدامة التي طبقها الرئيس أردوغان وحزبه خلال خمسة عشر عاماً من الحكم، ولا يزال هناك الكثير من العمل والمشاريع المستقبلية العملاقة التي تعبر عن تركيا الجديدة في إطار النظام الرئاسي الجديد.
كعربي، يتوق لتجربة ممثالة، يتنسم خلالها الحرية، ويشعر بأنفة الشعب وتأثير قراره.. سعدت كثيراً بانتخاب أردوغان رئيساً لتركيا، وأعيب كثيراً على أولئك المهرجين بأن أردوغان ديكتاتور استهوته السلطة واستلذ بالكرسي، وتلك مسخرة مثيرة للضحك والحزن معاً، فنحن الذين لم ننعم بانتخابات حقيقية منذ أن عرفنا أنفسنا نتهم الآخرين بما فينا، ونزيد على ذلك بكيل تهم الاستبداد والتسلط، وما عندنا يشيب من هوله الولدان!
منذ بدء جمهوريات الهزيمة العربية، وسريان مفعول قشة الديمقراطية الموجهة، لم يعرف العالم العربي انتخاباتٍ نزيهة وشفافة، وإن حدث فإنها تتبع بانقلابات عسكرية دموية وفوضى عارمة كتلك التي حدثت في الجزائر ومصر، وما سواها فإن النتائج محسومة بنسبة تنقصها أرقام عُشرية للوصول إلى التمام، على الرغم من الإدراك القبلي بحتمية الحسم، فإن طاقات الدولة وإمكانيات البلاد كلها تُحشد، ويُرغم الموظفون الحكوميون على الانتخاب الإجباري ما لم فهناك سلسلة من الإجراءات القاسية، ويفوز الزعيم الملهم، لسنوات جديدة من الحكم، ولا يحقق شيئاً من هذيانه الانتخابي ووعوده الجوفاء.. ثم نعيب على أردوغان فوزه المستحق، والممنوح فعلياً من الشعب مباشرة دون توجيه أو إكراه.
52% هي نسبة فوز الطيب أردوغان، لم تكن 99 ولا 90، هذه هي جماهيريته التي منحته حق الحكم لخمس سنوات قادمة، رغم أنه يستحق أكثر من ذلك بالنظر إلى ما قدمه لشعبه خلال سنوات حكمه.
قطع أردوغان حبال الشك، وأفسد كل ما يُحاك؛ حين أعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة، ووجه ضربة استباقية ناجحة لخصومه المحليين، وللمتربصين الإقليميين، ولمن يراهنون على فشله من القوى الدوليية، وفاز مجدداً بإرادة الشعب، تلك الإرادة التي أرادته أن يواصل مسيرة النجاح، ويقود دفة تركيا للوصول إلى 2023 وقد تحقق المنشود ضمن استراتيجية تركيا الجديدة بعد مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية ذات الامتدادات العثمانية الأصيلة.
سعيد جداً بهذا النجاح الجديد، وأمنياتي لتركيا بأن تستمر وتواصل نجاحاتها على كافة الأصعدة، ليبقَ العلم مرفرفاً، ولتظل النجمة في عنان السماء تستقي أنوارها من الهلال، ولتبقَ تركيا رائدة على مر العصور.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل