لم يعش اليمنيون طوال تاريخهم من المآسي، مثل تلك التي عاشوها في ظل سلطة الحوثيين الانقلابية، والتي لطخت تاريخ اليمن بسواد حالك، خلال سنوات معدودة، عم فيها القتل والخراب والجوع والأمراض ومآس أخرى ساقها الحوثيون من معقلهم الأساسي في كهوف جبال مرّان، بمحافظة صعدة.
بدأ الحوثيون نشاطهم كجماعة صغيرة في مناطق نائية داخل صعدة بداية تسعينيات القرن الماضي، يدعمها نظام علي عبدالله صالح، لاستخدامها كورقة رابحة في اللعبة السياسية، التي أسماها صالح "الرقص على رؤوس الأفاعي".
أستخدم نظام صالح الحوثيين لأول مرة في العام 2004، في حرب عبثية دفع ثمنها أبناء محافظة صعدة، كان الحوثيون عصابة متمردة على الدولة يجب القضاء عليها، لكن ما حدث هو أن هذه الحرب وخمس حروب بعدها حدثت خلال خمس سنوات، لم تزد الحوثيين إلا قوة وتمكينا، لإن هدف نظام صالح من الحروب الست لم يكن القضاء على التمرد الحوثي، وإنما ضرب القوة العسكرية للفرقة الأولى مدرع، التي كان يعتقد صالح أنها لا تدين له بالولاء بما يكفي كحال بقية القطعات العسكرية.
كما استخدم نظام صالح الحوثيين عقب تنحيه عن السلطة، وساعدهم في اجتياح المدن واستباحتها وصولا إلى العاصمة صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014، ثم قرر التحالف معهم بعيد انطلاق عمليات التحالف العربي، و انقلب عليهم بعد قرابة ثلاث سنوات من تحالفه معهم، لكن فشل في مواصلة الرقص على رؤوس الأفاعي، وتحول إلى ضحية، لم ينس الحوثيون مقتل زعيمهم المؤسس حسين الحوثي، وذهب صالح ضحية لعملية ثأر قديمة؛ الانتقام الحوثي كان أقوى من لغة التسامح مع صالح، رغم كل ما قدمه لهم من إسناد وتسهيلات!
حاول الحوثيون التستر خلف أقنعة تسمح بإظهارهم كثوار حقيقيين، وحركة تنعش آمال وتطلعات الشعب، لكن هذه الأقنعة تساقطت بعد فترة وجيزة من ثورتهم المزعومة في العام 2014، وظهرت حقيقتهم كعصابة لا تؤمن بحق الشعب في تقرير مصيره، وإنما تؤمن بخرافة الاصطفاء الإلهي لها، وحقها الحصري في تولي الحكم، واستعباد الشعب، بعد فرزه إلى سادة وعبيد، ضمن تصنيف سلالي مقيت، لم يجلب سوى مزيد من العداء لهذه العصابة الباغية، ومشروعها الطائفي البغيض.
هذه العصابة أثخنت الجراح في صدور اليمنيين، وسعت بكل ما أوتيت من قوة البطش، إلى فرض مشروعها الطائفي الإيراني في الأرض اليمنية، وهو مشروع يتنافى مع قناعات غالبية اليمنيين ومعتقداتهم وأفكارهم، وبدلا من أن تتراجع هذه العصابة عن مشروعها التدميري، سعت إلى تطبيقه بأي ثمن كان، وكان النتيجة مأساوية بكل ما تحمله معنى الكلمة؛ آلاف القتلى والجرحى، وملايين الجوعى والمشردين، وتدمير ونهب للممتلكات والمنازل، وانهيار الاقتصاد المنهك والعملة الوطنية، ونهب ممنهج للمال العام، وسرقة مقدرات البلد، وانتشار رهيب للفوضى مع فشل ذريع للمشروع الحوثي.
بقيت منازل اليمنيين وممتلكاتهم مصونة، ومساجدهم لها حرمة، حتى جاء أعداء اليمنيين من الحوثيين، وقلبوا الموازين كلها، ففجروا البيوت والمنازل والمساجد، وشردوا منها ساكنيها والمقيمين فيها، ووصل بهم الحقد إلى تفجير دور القرآن باعتبارها منبع للإرهاب، وهو ما يتماشى مع الرؤية الأمريكية المتطرفة تجاه المساجد ومراكز تحفيظ القرآن في البلاد الإسلامية، ولذلك لم يكن مستغربا أن تصبح المساجد مجالس لتعاطي القات ينتهك حرماتها مقاتلو الحوثي، طالما وأنهم يرون فيها أماكن لتخريج الإرهابيين!
لم يكتف أعداء اليمنيين بتدمير ونهب ممتلكاتهم ومقدراتهم، وإنما امتدت أياديهم الآثمة، لتفخيخ عقول وأجساد الأطفال، فانتزعت من آلاف اليمنيين فلذات أكبادهم وزجت بهم في الصفوف الأمامية في جبهات القتال، فمنهم من قتل ومنهم مازال ينتظر دوره، بينما يواصل رؤوس العصابة التخفي عن الأنظار وإدارة المهام القذرة، والدنيئة بحق اليمنيين، كما عمدت العصابة الحوثية إلى تفخيخ المنهج الدراسي، كخطوة مكملة لنهجها في استهداف الأطفال وتفجير أدمغتهم إما عاجلا أو آجلا.
يعيش ملايين اليمنيين تحت خط الفقر والمجاعة، ولا يجدون ما يسدون به رمقهم، فيما يتنعم رؤوس العصابة الحوثية بمقدرات اليمنيين، ويتلذذون بأوجاعهم ومعاناتهم، ويحاولون تسويقها واستثمارها لتحقيق مكاسب سياسية تسمح لهم بالبقاء في سدة الحكم، هل رأيتم دناءة كهذه؟!
ستبقى العصابة الحوثية عدو لدود للشعب اليمني، طالما أنها تعتبر الشعب اليمني عدو يجب إنهاكه حتى تستطيع أن تحكمه بيسر وسهولة مدى الدهر، وهو ما لن يكون بإذن الله.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية