يبدو جليا أن عمل المبعوث الأممي يتمحور حول إنهاء الحرب وفق اعتبارات القوة على الارض والمصالح الإقليمية والدولية، لا إنهائها بإنهاء الانقلاب على السلطة الشرعية، وإرساء السلام وفق رؤية شاملة تستعيد الدولة وتبني الشراكة بالاستناد إلى مخرجات الحوار الوطني الذي كان نتاج توافق كل القوى السياسية على الساحة اليمنية.
صحيح أن المبعوث الدولي، نظريا، يتحرك وفق خارطة تتضمن رؤية لمراحل الحل، ورثها عن سلفه ولد الشيخ، طرحتها الحكومة اليمنية وتم مناقشتها مع الانقلابيين في الكويت. لكن عمليا لا ينحو الوضع وفق هذه الخارطة، وإنما وفق اعتبارات مصالح دولية وإقليمية لا تريد حسم الحرب أو توقفها على مستوى الوطن كله. وفي أحسن تقدير قد يُحَسّن انتزاع الحديدة من أيدي الانقلابيين، شروط التفاوض لدى الشرعية.
يبدو أن المصالح الغربية تقاطعت مع مصالح الخليج في تحرير الحديدة، وتحديدا بعد التهديد والاستهداف الذي طال مصالحهم في البحر الأحمر. لكن هل ستتقاطع المصالح بالنسبة لما تبقى من اليمن تحت سيطرة الحوثي؟
في اعتقادي أن هذا التقاطع لن يحصل. والسبب هو: أن التهديد الذي طال مصالح القوى الدولية سيتوقف بعد زوال أسبابه بعد تحرير الحديدة، بينما سيظل قائما بالنسبة لدول الخليج. بمعنى أن مساعي المبعوث الدولي، حتى الآن على الأقل، ليست جادة في المضي نحو إطار رؤية شاملة للسلام، بل في حدود إيقاف تهديد الانقلابيين للملاحة الدولية على البحر الأحمر.
وعلى هامش هذا الهدف ستحصل دول التحالف على مكسب يمنع استمرار هجمات الصواريخ التي يستهدفهم بها الحوثيون. علما أن هذه الصواريخ ليست قادمة كلها من البحر، بل هناك مخزون هائل منها في ترسانة الجيش اليمني المنهوبة، والمرجح أن ما يصل للحوثين بشكل أكثف هي أدوات وخبرات تطوير هذه الصواريخ، لا الصواريخ نفسها.
وما دامت هذه الصواريخ لا تأتي كلها من البحر، بل من مخازن الجيش اليمني، فإن مصالح دول التحالف لن تتقاطع مرة أخرى مع المصالح الدولية بعد تحرير الحديدة. وهو الأمر الذي يدعو إلى إعادة ترتيب أوراق الشرعية والتحالف، وذلك بإعادة خلق إرادة وأدوات مستقلة عن تأثير هذه الدول، تسطيع بموجبها أن تدحر الخطر برمته وتعيد وضع اليمن على الطريق الصحيح. طريق يحقق الأمن القومي العربي ويخرج باليمن من دائرة تناوش الأطماع والمصالح الإيرانية ومن يقف خلفها.
وباختصار؛ يمكن القول إن الخطر الحوثي عند الأمريكان يمتد على امتداد الحوثي على السواحل، وذلك بصفته أداة إيرانية يمكن تحريكها ضد مصالحهم متى ما أرادت الأخيرة ذلك. وفي نفس الوقت الذي يعد الحوثي ورقة إيرانية، فهو كذلك بالنسبة للأمريكان- في ما دون السواحل- ورقة وأداة يضغطون بها على الخليج، ولا يرغبون في التفريط بها.
وهنا مكمن تناقض المصالح وتضادها. إذ أن بقاء الحوثي سلطة للأمر الواقع، ولو على جزء من محافظة واحدة، يمثل خطرا على دول التحالف، وتحديدا المملكة. بينما ليس كذلك بالنسبة للأمريكان، حلفاء الخليج في موضع، وخصومهم في موضع آخر.
سلّم ميناء الحديدة وسواحلها، تسلم في ما سواها! ثم ماذا بعد؟! من وجهة نظر المجتمع الدولي الأمر على هذا النحو. أقصد أن الضغط على الحوثي وفق حدود اليمنيين وحاجتهم للسلام الشامل غير واردة في إطارها، ولا حتى الأمن القومي المطلق لدول الخليج ...!!
أنا على ثقة أن الحرب فيما بعد الحديدة ستطول، مالم تستقل إرادة الشرعية ودول التحالف عن المصالح الضيقة للدول العظمى، وتبنى أسس ومقومات الانتصار بعيدا عنها.
بعد تحرير الحديدة سيكون؛ أولاً: قد انتزع اليمن النافع من تحت أيدي الانقلابيين؛ وثانياً: أمنوا شر اعتداءاته على سفنهم المارة عبر البحر الأحمر. وما دون ذلك تفاصيل لا تلح عليهم كثيرا لإيقاف الحرب. هذا إن لم يكن في صالحهم استمرارها ليستمروا معها في الضغط على المملكة واستنزافها.
من البديهي فهم عدم رغبة الأمريكان في إسقاط الورقة الإيرانية في اليمن وإنما تقليصها فقط. حيث يمكن أن تمسهم بأذى، والمناورة بها كلما رأوا الفرصة سانحة للضغط على المملكة للمزيد من استدرارها.
وفي النهاية اليمن هو الخاسر الأكبر إن ذهب ملفه نحو التسوية بشروط الفاعل الدولي، لأنه لن يخلق سوى حلول شوهاء، في ظل توازن قوى تعكس مصالح كل طرف على طاولة المفاوضات.
وفي سبيل الوصول إلى مثل هكذا حلول، معناه تقديم تنازلات من كل الأطراف إلى منطقة وسط "الدولة" بمفهومها راعية للمجتمع ومحققة للمواطنة، غائبة عنه تماما.
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور