لا يغيب عن أي متتبع لمسار الأحداث في اليمن بعض الأدوار المشبوهة التي لعبها ويلعبها مبعوثو الأمم المتحدة لليمن، ابتداء بالمغربي جمال بن عمر، ومرورا بالموريتاني ولد الشيخ أحمد، ثم انتهاء بالبريطاني مارتن غريفيث، الذي وافق مجلس الأمن في الخامس عشر من فبراير/شباط 2018 على تعيينه مبعوثاً أممياً خاصاُ إلى اليمن خلفاً لسابقه، ولد الشيخ، ليتولى ملفا أرادت له بعض المصالح الدولية والإقليمية أن يكون واحدا من أعقد المبفات على مستوى الشرق الأوسط.
لقد بدت هذه الأدوار المشبوهة بما يشبه جرعات الإنعاش لجماعة الحوثي، وذلك بالضغط على المكونات السياسية الوطنية بتقبله كقوة ند متساوية في التمثيل في مختلف الفعاليات التي مرت بها اليمن؛ منذ الحوار الوطني وما تلاه من استحقاقات. هذا، فضلا عن تقديمه للرأي العام الغربي ومؤسسات صنع القرار فيه كقوة مظلومة، مستبعدة ومقموعة، تتطلع لأن تكون جزءا من مسار التغيير الذي تمر به اليمن.
وفي هذا الصدد قرأنا الكثير من المقالات التي صدرت في عدد من الصحف الغربية الرئيسية، كان بعضها لكتاب وصحفيين متواجدين في اليمن أثناء مرحلة الثورة، قدموا الحوثي كغريق لا يريد سوى يد تمتد لتنتشله من غرقه وتسمح له بحق العيش والتعايش مع بقية القوى السياسية الأخرى الفاعلة والحية في اليمن.
أخذت هذه الأدوار تطفو على السطح وينقشع عنها الستار بعد اندلاع الحرب التي شنها الانقلاب على الشرعية والتوافق الوطني الواسع، وذلك حين صمت مجلس الأمن ومبعوثه- حينها جمال بنعمر- حيال الاجتياح وأعمال العنف التي مارسها الانقلابيون في طول اليمن وعرضه، اللهم إذا استثنينا بعض التصريحات التي تحمل في ظاهرها الاستهجان والإدانة، لكنها في باطنها ظلت توحي له بصوابية ما يقترفه من إجرام بحق الشعب والثورة الشعبية.
وعلى الرغم من انتزاع قرار مجلس الأمن (2216)- الذي وضع اليمن تحت البند السابع، وهو في الأساس قرار ما كان له أن يصدر لولا المعركة الباردة التي دارت في أروقة المجلس الدولي حيث ألقت المملكة السعودية بكل ثقلها ليتم انتزاعه، والذي قضى بانسحاب الحوثي من المناطق التي سيطر عليها وتسليمه لسلاح الدولة المستولى عليه- إلا أنه لم يفعل، بل ظل الحوثي يسقط المحافظات تباعا، مستفيدا من الضوء الأخضر- الضمني- الذي كان يحمله له مبعوثو مجلس الأمن خفية وتعريضا.
هكذا استمر الانحياز، بما لا يدع مجالا للشك، في مواقف مجلس الأمن، بسرعة زيارات ممثليه- غالبا، إن لم يكن دائما- في الأوقات التي كان فيها الانقلاب يتكبد خسائر فادحة، وتطيح به قوات الجيش الوطني المقاومة الشعبية في جبهات مختلفة، محققة تقدما مهما يؤشر إلى تغيير معادلة الحرب باتجاه القضاء على الانقلاب، وطي صفحته. فيما كانوا (مبعوثي الأمم المتحدة) يغيبون حينما تكون الجبهات متوازنة والدماء تسيل دون تقدم يذكر لأي طرف على آخر.
وكأنهم يقولون: هكذا نريدكم أن تتقاتلوا دون أن يقضي أيً منكم على الآخر، باستثناء أنه يمكن لنا أن نسمح بتقدم جزئي للانقلابين، بينما نمنعه عنكم!!
ومؤخرا؛ هاهو مبعوثهم "جريفيث"، قد أقبل مسرعاً ليوقف استمرار تقهقرهم في جبهة الساحل، وليحول دون سقوط مدينة الحديدة بيد الجيش والمقاومة، زاعماً أن ثمة حلول لمشكلتها، وكأن الحديدة مشكلة مستقلة عن إطارها الوطني، مشكلة الانقلاب على الشرعية وإسقاط الدولة. وقبلها سارع سابقه، "ولد الشيخ"، ليوقف تقدم الجيش والمقاومة في جبهة نهم والجوف وتعز، في أكثر من مرة..!!
ما دام وأن مواقف مبعوثي الأمم المتحدة على هذا النحو، فإنه لم يتبقى أمام الشرعية سوى أن تصم آذانها أمام كل مقترحات وتوصيات مبعوثي الأمم المتحدة، وتسعى لانتزاع ما تبقى من اليمن تحت قبضة الانقلاب، تماما كما فعل الحوثي حين اجتاح البلد وهي تحت البند السابع.
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور