طول الحرب والتدخل العسكري في اليمن يكشف لنا يوميا ما يُخفى من أجندات لا علاقة لها بالهدف الرئيس الذي أراده الشعب اليمني، والاهم من ذلك ما تكشفه الانفس الصغيرة التي تخرج علينا ما بين الحين والاخر بالمن على مساعدات انسانية تم تقديمها في عدد من المحافظات للمتضررين من الحرب والفقراء.
ليست "المنّه" من اخلاق العرب ولا من شيمهم في التاريخ القديم أو الحديث، غير اننا نراها اليوم تظهر ما بين الحين والاخر من قبل مسؤولين مثقفين واعلاميين من الاشقاء وتعبر عن اخلاق رديئة للصغار الذين لا يعرفون معنى الكرم والشهامة والنخوة، في محاولة لإيذاء اليمنيين وكبح كبريائهم في التنازل والتسليم بكل شيء وكأننا بلا اراده.
لا أحد ينكر ما قدمت الدول المشاركة في التحالف العربي من اموال ومساعدات، لكن ذلك يعد في ميزان الأعراف جزء من ثمن المصير المشترك الذي يجمع اليمن بأشقائه وجيرانه جراء انهيار الدولة اليمنية والتوسع الايراني الذي يهدد المنطقة العربية ويجتاحها دولة تلو الاخرى، وليست الدول الخليجية في معزل عن هذا التوسع، واليمنيون يعانون جراء الحرب التي فرضت عليهم بعد انهيار الدولة ويقدمون أغلى ما لديهم.
يتحدث بعض المثقفين من الامارات عن المساعدات والمشاركة في الحرب اليمنية، وكأنها ِمنه وليست مصير مشترك يدفع اليمنيون كل ما لديهم فيها يخسرون يوميا كل شيء وهو مواطنين دولة فقيررة بجوار أشقائهم الاغنياء، أولئك ضجونا بخسارتهم في الحرب لم يفهموا ان الحرب هي مصير مشترك لكل العرب ضد تهديد خارجي يستهدفهم بالدرجة الأولى، ولن يكون هناك اي مقابل ينتهك حقوقنا بالمَن او الاذى المتواصل في ممارسات ضد ارادة اليمنيين.
كان بمقدور اليمنيين ان يسلموا وينقادوا ضمن المشروع الايراني في المنطقة كما حدث في العراق ولبنان وايضا سوريا، ويعيشون مثل مواطنين تلك الدول، حينها لن تكون دول الخليج في أمان من التهديدات المستمرة، لكن المصير المشترك هو من جعل اليمنيون يضحون هذه التضحية الباهظة عندما رفضوا قبول القسمة مع الانقلابين أو مهادنتهم.
لا يمكن ان تتحول الحرب في اليمن الى مكاسب لتلك الدول سواء في التبعية او التحكم بمصيرها، انما علاقة ندية تحكمها القوانين الدولية والتعاون المشترك، اما ان تتحول الحرب الى غنيمة واستغلال لحالة الضعف والتشتت التي تمر به البلاد لتنفيذ أجندات، فذلك الذي يجرح كبرياء اليمني ولن يسكت يوما عن اي عبث يفقده بلده، حتى ولو طال المَن بالمساعدة على سبيل الابتزاز مقابل الصمت عن الاهانات المتكررة.
نحن امة ذات حضارة وصلنا الى الشرق والغرب وعُرفنا بالكرم والشهامة، ولا يمكن لاحد ان يلغي هذه الحقيقة رغم اننا فقراء واهلكتنا الحرب لكننا لن نساوم بكرامة بلادنا، فإما علاقة احترام كاملة والا نحن اعلم كيف ندير هذا الخراب الكبير في بلادنا المنكوبة بالانقلاب واطماع المن والأذى من الأشقاء، والايام دُول.
حالة الابتذال في التقاط الصور والمزايدة على اليمنيين في أنهم يساعدوننا بالمواد الغذائية تحولت إلى ممارسة الامتهان بكرامة المواطنين بالإضافة إلى عملية الترويج التي تفوح منها رائحة "المن والأذى" دون مراعاة للقيم الإنسانية التي تحفظ كرامة الإنسان، ويراد من ذلك الاستعراض إيصال رسالة مُبطنه أنهم موجودين فيما يتم وصف من يرفض انتهاكاتهم بـ"ناكري الجميل" وكأن للجميل ثمن التسليم المطُلق دون الاعتراض.
خلال سنوات الحرب تلقت اليمن مشاريع ومساعدات إنسانية كبيرة من دولتي الكويت وسلطنة عُمان واللاتي تعملان بهدوء وصمت ودون أي مقابل أو أجندات اقتصادية أو سياسية، إنما عمل إنساني خالص يراعي الأخوة العربية والقيم الإنسانية، وقدمتا صورة نموذجية للعمل الإنساني، واليمنيون ورغم الحرب يسجلون كل المواقف ولا يمكن أن تُنسى.
هذا الخراب الكبير أفقد اليمنيين كل شيء وخسر الجميع، والضعف يعترينا من كل مكان، غير أن كبريائنا الوطني ينمو ويكبُر من عمق المأساة والمعاناة والوجع، علمنا التشرد وأصوات المدافع ألا نفرط في بلادنا للقوة وللغطرسة أياً كانت، هذه اليمن بلادنا العظيمة ستنفض غبار الحرب يوما وتصدح الأغاني "لن ترى الدنيا على أرضي وصياً".
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم