تعلو وجوه الناس حالة من الحيرة وسلسلة من الهموم قبل دخول شهر رمضان، والذي يأتي في ظروف قاسية يمر بها غالبية المواطنين اليمنيين وهو ما يجعل حالة الفرح تختفي في استقبال رمضان ويتحول من محطة روحانية لتهذيب النفس إلى شهر تتزايد فيه متطلبات المعيشية ومعها يجد غالبية الناس أنفسهم عاجزين أمام الالتزام بهذا.
على عكس ما كان في السابق قبل بدء الحرب يأتي رمضان هذا العام وعلى كاهل الناس قله حليه حيث تتوسع دائرة الاحتياج، وخاصة أولئك الذين تمتلئ منازلهم بالأطفال وأفقدتهم الحرب كل شيئا كانوا يملكونه قبلها، لا رواتب ولا اعمال وهذا ما يجعل دخول رمضان مُقلق للكثير من اليمنيين للعام الرابع من الحرب.
تلك التفاصيل الجميلة التي كانت تعيشيها الأسرة اليمنية في استقبال رمضان تتلاشى في غالبية المنازل بينما تتضاعف الأوجاع بالتزامن مع سلسلة الازمات الذي استهلكت قدرات الناس في الصبر والتحمل حيث لا جديد يلوح بالأفق يمكن أن يُعيد البلاد إلى حالة الاستقرار لكي يستطيع الناس أن يستعيدوا حياتهم بشكل طبيعي.
ملامح الناس في الشوارع والأسواق تعبر في تفاصيلها عن حالة من الإحباط مما يجري، عيون الناس تتحدث بكل وضوح عن إنهاك الحرب لكل جوانب حياتهم، تضع أسئلة معقدة بلا إجابات، وبالتزامن مع المناسبات الدينية والتي طالما كانت البهجة السنوية للمواطنين يقضونها متجمعين ومؤجلين كل مشاغلهم، غير أنها تأتي في زمن الحرب أيام قاسية لا يمكن تحملها.
بيوت الناس ممتلئة بالقصص والحكايات المحزنة وخلف كل جدار مأساة قتلى، ومعاقين، ومصابين لا زالت جراجهم مفتوحة وتزعج منامهم كل يوم، وأسر فقدت مُعيلها او ابنها، واُسر أيضاً قُتل معظمهم إما بقصف طيران التحالف او الحوثيين حيث وصلت الأحزان للجميع وكل منطقة يمنية نالها وجع الحرب في القتل أو المأساة الإنسانية التي تعانيها البلاد.
أربع سنوات من الحرب كفيلة أن يتوجع الجميع ويلعنوها ألف مرة، حيث تتحرك الأيام ببطيء المأساة التي يعشيها اليمنيون، وتتشابه المناسبات مع الايام العادية وتضيق مساحة الفرح بسبب تكلفتها الباهظة وقلة الحيلة، وعدم مقدرة غالبية الناس على تحمل ذلك، بالإضافة إلى حالة الفقد التي تعاني منها كثير من الأسر.
على موائد رمضان تتأكل الأسرة اليمنية بين قتيل ونازح ومُهجر من منزلة قسراً، وكعادة المناسبات التي تعمل على إحياء التذكار لكل الأصدقاء والمفقودين ومنها يظهر الحزن وتتبدد لحظة الفرح المفترضة في مواجهة تكلفة الحرب الثقيلة التي اوغلت في صدور الناس الانكسار والضعف في مواجهة الحياة والمحاولات المستمرة في لملمة الشتات التي يعيشه كل إنسان في داخلة.
تلك المعيشية البائسة التي خلفتها السنوات الماضية عملت على تفكيك المجتمع بصمت، حيث لا يعرف كم من الأسر تفككت بسبب حالة الفقر والحاجة، ومن الصعوبة أن يستطيع شخص أن يحافظ على أسرته بعد ان فقد كل شيء كان بالنسبة له عصب الحياة، حيث تمتلئ الشوارع بالباعة من الأطفال والنساء وايضاً متسولين قذفت بهم الحياة إجباراً على هذه الأعمال.
لا يمكن أن يكون رمضان مبارك إذا لم ترى تلك الأسرة الشريدة الفقيرة مائدة تسد رمق أطفالها الصغار الذين يتحملون جوعهم اليومي طوال أيام السنة، كيف يمكن لرجل أن يبتسم وهو يقف عاجزا عن توفير مصاريف منزله ويرى الحاجة في عيون أبناءه وهم يسألونه عن أكلاتهم المفضلة وملابسهم التي يريدون شرائها للعيد.
حياة قسرية وإجبارية يعيشها غالبية المواطنين اليمنيين في ظل أوضاع مأساوية فرضتها الحرب، أفقدت الكثير من الناس تجاوز الاهتمام بطريقة استقبال شهر رمضان، إلى الانتظار القاسي للعيد والذي متطلباته أكثر كونه يرتبط بفرح الأطفال والتي يكافح الأباء من أجل أن يوفروا لهم كل احتياجاتهم خوفاً من انكسار قلوبهم.
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم