على مر التأريخ اليمني ظلت محافظة حضرموت تتميز بخصوصية متفردة عن غيرها من المحافظات اليمنية، فهي الأرض الشاسعة من البلاد والإنسان الأصيل المُسالم الذي لطالما ظل متفانياً في العمل من اجل تحقيق إنجازات بكفاح وإصرار فردي ومن خلالهم تعرف العالم على اليمنيين وقدراتهم في صناعة النجاح.
عُرفت حضرموت بالثقافة والتعايش واحتراف أهلها في التجارة مما جعلهم نموذج في الاستثمار باليمن وعدد من الدول الخليجية، وهو ما يكشف عن روح الحضارم الطامحة في البناء والعاشقين للحياة والتطور، وبنى أهلها ناطحات السحاب قبل مئات السنين بكل صلابة وإتقان ولازالت شاهقة تستقبل الزائرين لها بكل ترحاب.
الأجداد الذين كانوا يملكون هذه العقول الحضارية لا يمكن أن يكونوا إلا في مقدمة الأمم وأعمدة كبيرة في صناعة التأريخ العريق الذي لا ينسى، لن يستطيع الطارئون على هذه البلاد تغيير ملامح حضارتها وإن كانت لهم سطوة، وكل فكر جديد على حضرموت يلغي روحها الثقافية وتعايش أهلها لن يصمد طويلاً.
خلال السنوات الماضية ظهرت التنظيميات الإرهابية بقوة في مدن حضرموت بردائها الأسود تعمل على نشر ثقافة الجريمة والقتل والتطرف وكل سلوكيات الإرهابيين في إنهاء مظاهر الحياة والثقافة والفن والتعايش والتي كانت تلك المحافظة أقوى بها، واحتفظ أجيالها بتلك الحياة الجميلة التي تعبر عن روح المدينة الحضارية.
كانت حضرموت موطن عاد وأقيال التبابعة وملوك حمير وكنده، وتشير كُتب التأريخ أن دولة حمير دولة حضارة ومدنية، فكان "شمر أبو كرب" أول ملك حميري حضرمي حيث بنى تأريخ سياسي وعسكري طويل، وفي كل مراحل التأريخ التي حكمها الملوك حافظت حضرموت على استقلالها ولم تخضع لهم في أي شأن من شئونها الداخلية أو الخارجية، كما حافظت على استقلالها في عهد استيلاء الفرس على اليمن في القرن الخامس ميلادي.
كل هذه الشواهد تجعل من حضرموت مدينة عصيّة على التطويع أو اختزالها في صورة مسيئة لتأريخها العريق الذي يمتد لآلاف السنين، حيث كانت الدولة جامعة لأبنائها وتعمل على تحصينهم من التدخلات الخارجية، والأفكار المتطرفة التي تحاول أن تنال من حضارة المدينة في توشيحها باللون الأسود.
في الوقت التي تنتشر الفوضى في عدد من المحافظات اليمنية بقيت حضرموت متماسكة ومتوحدة ضد الفوضى، واستطاعت أن تُنهي سيطرة تنظيم القاعدة الإرهابي من المدن التي كانت تسيطر عليها عقب انهيار الدولة في سبتمبر 2014، ونجحت حينها العملية العسكرية في تطهير تلك المدن في غضون أيام، وهو ما يثبت أن المجتمع الحضرمي رافض كلياً لتلك الأفكار التي تتناقض مع تسامح المجتمع وثقافته المدنية.
يعرف العالم حضرموت بـ"الدان الحضرمي" وصوت الراحل أبو بكر سالم وأول ناطحات سحاب شاهقة بُنيت بالطين قبل 600عام حيث عانقت السحاب في تلك العصور القديمة الغابرة بنظام هندسي دقيق، وتجارها الذي طافوا الأرض وصنعوا قصص ملهمة ومشاريع تجارية ناجحة، يعتز الحضرمي بهويته اليمنية ويرتبط بها رغم سنين غربته الطويلة.
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم