” وداعاً أيها الأحباب، ، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة، سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين ، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضاً لتؤدوا واجبكم “.
هذا الخطاب الأخير له، قبيل توجهه إلى تنفيذ حكم قضائي اقتضى سجنه أربعة أشهر، عقب اتهامه من المدعي العام بتأجيج صراع التفرقة الدينية في البلاد، بعد انقضاء فترة سجنه ، استفاد من انقسام حزب الفضيلة المنحل ليقود قسم الشباب المجددين، مؤسساً على إثر ذلك حزب العدالة والتنمية، الذي أحال في أول انتخاباتٍ تشريعية له أحزاباً عريقةً إلى المعاش؛ بعد فوز ساحق في برلمانية نوفمبر 2002، إلا إنه لم يتولى رئاسة الحكومة حينها بسبب تبعات سجنه وقادها رفيق دربه السياسي المخضرم عبدالله غول، قبل أن يحصل أردوغان على الإشارة الخضراء في مارس 2003 مفتتحاً مسيرته المضيئة في تاريخ تركيا الجديدة، محاكياً بذلك ما أورده في خطابه الأخير قبيل سجنه، ومواصلاً سلسلة نجاحاته السياسية والإدارية منذ عهد معلّمه أربكان.
بعد توليه رئاسة الحكومة .. مد يد السلام، ونشر الحب في كل اتجاه من البلاد ، تصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع أذربيجان، وأرسى تعاوناً استثنائياً مع العراق وسوريا ودول أخرى، ولم ينسَ أبناء شعبه من الأكراد، فأعاد لمدنهم وقراهم أسمائها الكردية بعدما كان ذلك محظورا، وسمح رسميا بالخطبة باللغة الكردية، وافتتح تلفزيوناً رسمياً ناطقاً بالكردية، بالإضافة إلى ذلك، شكّل انتفاضةً اقتصاديةً على مستوى تركيا، وانتشلها من براثن التردي والتخلّف إلى مصاف الدول المتقدمة لتصبح ضمن الدول العشرين الكبرى على مستوى العالم إضافةً إلى احتلالها مرتبةً متقدمةً من بين دول أوربا على مستوى الإنتاج والصناعات المتقدمة التي اخترقت أروبا بأكملها!
على مدى ثمانِ عشرة سنةً، حقق الرجل ما عجز عن تحقيقه جميع من قادوا دفة تركيا الجمهورية منذ تأسيسها، وعزز من مكانتها وحضورها الإقليمي والدولي، فارضاً شخصية الدولة الندّية وليست التابعة، متسلحاً بالطفرات الاقتصادية والعسكرية وسط نجاحات متتالية على المستويين السياسي والثقافي مما أظهر قوةً فعلية ذات فعالية ملموسة على كافة المستويات متجاوزةً عمقها نحو محيطها في خطوات متسارعة تعزز من نجاح الرؤية الطموحة للرجل وحزبه اللذان يسيران بإيجابية تامة نحو تحقيق رؤية تركيا الجديدة 2023 وكل المؤشرات تؤكد هذا المسار دون مواربة.
إنّه رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الحالي، ورئيس الوزراء السابق، الديكتاتور الطيب كما تقول عنه نجاحات بلاده، ويشهد له بذلك خصومه السياسيون الذين يقفون عاجزين عن مقارعته ومواجهته في ظل الالتفاف الشعبي والمردود الملموس لحزبه في كل جولة انتخابية منذ نوفمبر 2002.
بعد ثلاث مخاضات انتخابية، وجد أردوغان نفسه خارج السلطة بسبب اللائحة الداخلية للحزب، لكنّه لم يستسلم، وواصل مسيرته المحفوفة بالنجاحات المذهلة، التي أراد لها أن لا تتوقف أو تغرب، فتم ترشيحه لانتخابات الرئاسة التي أجريت بالاقتراع المباشر لأول مرة في تاريخ البلاد، ليصبح رئيساً في العاشر من أغسطس 2014م.
في ال15 من تموز تعرض أردوغان والنظام السياسي والديمقراطية التركية إلى محاولة انقلاب دبرتها وحدة من الجيش التركي لتودي بحياة 248 شخصاً، بالإضافة إلى زعزعة استقرار البلاد حينها والتأثير على الوضع السياسي والعلاقات الخارجية لتركيا.
بعدها بعام وتحديداً في إبريل 2017، حقق أردوغان انتصاراً حاسماً في استفتاء شعبي حول صلاحياته كرئيس يتمتع بسلطات واسعة وستسمح له نظرياً بالبقاء على رأس السلطة حتى2029م.
في ال18 من إبريل أعلن أردوغان عن تقديم للانتخابات الرئاسية في بلاده، والتي ستجرى في حزيران المقبل، مصيباً المشهد السياسي بإرباك غير مسبوق، حيث باتت المعرضة في تخبط كبير بحثاً عن مرشح قد يسبب المشاكل لأردوغان في طريق ولايته الثانية التي تبدو معبدةً بالنظر إلى حجم المتغيرات التي تشهدها الساحة التركية ومحيطها.
لا بد للديكتاتور الطيب أن يمضي فيما رسمه دون العودة إلى الماضي.. هذا ما يؤكده في كل محطة يشهدها، وفي كل جولة صراع داخلي يخرج منها منتصرا، وما يزيد من قوة ذلك هو أن المشهد الانتخابي القادم سيحدد ملامح الدولة التركية لنصف قرن كما يقول.
قدّم الرجل لدولته ما يجعله زعيماً خالداً لدولة باتت اليوم كبيرة بمعنى الكلمة، كان مصدر قوتها الأول، بسياسة حكيمة، وبحنكة مشهودة على كافة المستويات...انتصر دائماً، ونجح باقتدار؛ فأنّى له أن يكون ديكتاتوراً لمجرد سلطة يخدم بها شعبه، ويعيد الاعتبار بواسطتها لوطنه؟
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل