في كل مرة يتدخل الأشقاء لإنقاذنا من محنة ما، تتوسع دائرة الإنقاذ لتتحول إلى بسط نفوذ وإنشاء قواعد تبعية عمياء من مليشيات خارج إطار الدولة أو مكونات مجتمعية مساندة على مستوى صناعة الرأي الملائم.
هذا ما فعله المصريون في عهد عبدالناصر؛ عندما ساندونا في معركة الجمهورية ضد الملكية، وتحولوا بعد سلسلة من المخاضات المشهودة إلى محتلين حاولوا الاستئساد بكل ما له صلة بالقرار اليمني وقزموا القيادات السياسية وافتعلوا العديد من المواقف التي أنِفها اليمنيون حينها ،وتعاملوا معها من باب إيقاف تفاقم الوضع وانتهت بانسحاب مصري على إثر الممارسات الغير مبررة.
شخصياً، لا أرى من المعيب أن تعمل على إنقاذ شخص من ورطة ثم تطلب منه مقابل ذلك، وإن كان في عرف العرب غير ذلك، وفي الإسلام احتساب أجر وما جزاء الإحسان إلا الإحسان وما لا تجد ثوابه هنا تجده هناك، لكن أن تنقذه، ثم تجرده من كل ما يملك، وتحاول استهدافه بطريقة ما وإن كانت مغايرة في سيناريوهاتها للطريقة التي أنقذته منها فإن في ذلك مذمة كبرى ،ومثلبة لا يقبل بها العرب في عرفهم ،ولا الإسلام، ولا حتى منطق الإنسانية التي يجمع عليها العالم أجمع.
هذا ما فعله التحالف بنا، نحن استغثنا به لإنقاذنا، فلبّى بكل ترحيب، وقدّمت دول بعينها مساهماتها المادية والمعنوية من معدات ومساعدات إنسانية وخسرت العديد من الجنود في سبيل إنقاذ اليمن واليمنيين بحسب الهدف الرئيس الذي تضمنته أهداف عمليتي الحزم والأمل التابعتين للتحالف العربي.
أصبح الأمر بالنسبة لنا مقدّساً؛ أن يختلط دم الأشقاء بدمائنا، وأن تتواءم جهودنا مع جهودهم ، وأن نصبح معاً في خندق واحد لإنقاذ البلاد والعباد ومن قبلهما دول المنطقة، أو ليست اليمن بوابة الجزيرة ومفتاح الخليج؟
إلى هنا، كنا معاً، ولا زلنا، مهما تباينت الطرق، وتعددت الأساليب، وتجانبت الدروب... لكننا لم نكن نتوقع أن نصبح غرباء في أراضينا، مطاردون في بلادنا ؛لأسباب تتعلق برفض سياسة معينة أو شخصية تابعة لجهة ما ، أو محسوبية غير واضحة الحقائق، ما بالك تحررنا وتستخدم أساليب من جئت لتحررنا منه؟!
مؤخراً، تحاول إحدى دول التحالف فرض أجندتها الخاصة على اليمنيين عامة، شاءوا أم أبوا ،وبالقوة، وسط تجاهل مريع من قيادة التحالف والدولة التي هندست لفكرة التدخل في اليمن ؛حفاظاً على أمنها وسلمها الاستراتيجي، وأعني هنا السعودية، لكن دولة كالإمارات لم تعد غامضة، وقفزت على مشروع التحرير للبلاد وإنهاء الانقلاب إلى مشاريع أخرى تمسك بزمام الأمور سياسياً وعسكرياً واقتصاديا، لمآرب ليس لنا فيها نحن اليمنيين ناقة ولا جمل.
أن يتهم مسؤول الأمن الأول في البلاد ،ووزير داخلية الشرعية الإمارات بانتهاج أساليب مقززة؛ لتحقيق مصالحها دون اعتبار للقيادة السياسية اليمنية، ولا للمضامين التي التف حولها اليمنيون فهذا يعني أننا لم نعد نحن والتحالف في خندق واحد، وأن الدماء المختلطة بيننا وبينهم لم تعد دماء ميثاق وعهد بل اتخذت مبرراً للانقضاض على الإرادة والوطنية ،وتجاوز مرحلة التحرير إلى الاستعمار والتحكم ،وتلك مصيبة تشكل عائقاً حقيقياً أمام استكمال استعادة الشرعية وبناء مؤسسات الدولة وتحقيق تطلعات الشعب.
هناك مليشيات تقود محاولات هتك اللحمة الوطنية، وتعمل على مواجهة مشروع الدولة ضمن حسبة دول التحالف المنقذة لنا، هذا ما أورده ضمنياً ،حديث وزير الخارجية، الدكتورعبدالملك المخلافي، لقناة البي بي سي، وهو تأكيد على أن التحالف العربي ،تجاوز كل التفاهمات التي تدخل في إطارها، وحلّق بعيداً عن تطلعات اليمنيين وأهدافه المرسومة في ضمان أمن وسلامة الخليج ، وكأنه من خلال ممارساته يحسب حسبة إطالة أمد الصراع، وضرب مكونات بمكونات أخرى لم تعترف بشرعية الرئيس هادي ودعمها بكافة الوسائل المطلوبة، وإضرام المعارك البينية في محافظات ومناطق بعينها؛ لاعتبارات تتجاوز أهداف إحلال الأمن وضمان استقرار المنطقة ،وهو ما تجلى خلال الدعم الغير عادي لطارق صالح ،وقيادات تابعة للحرس الجمهوري الذين كانوا حتى وقت قريب يواجهون الشرعية ويستهدفون بصواريخهم الباليستية مدن السعودية.
بعد كل هذه التجاوزات المريعة، ربما نتوصل إلى صدمة فبركة الحرب ، ضمن توجهات إشعال دول الربيع، لإنهاء مشاريع الديمقراطية وتأديب الشعوب التي تاقت للحرية فثارت وكان محرماً عليها أن تثور.. وإلا فما كل هذه الممارسات المشبوهة بحقنا نحن اليمنيين من قِبل أخوة قالوا أنهم هبوا لنجدتنا ولبّوا نداء الإستغاثة الذي نادتهم به أصل العروبة كما يقولون؟!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل