منذ أول رصاصة أطلقها الانقلابيون في جسد المدينة، وحتى اللحظة، لاتزال تعز تتربع مسيرة المشروع الوطني المقاوم، المطالب باستعادة الدولة ومؤسساتها، وإنهاء الانقلاب، وتداعياته الكارثية على امتداد الخارطة اليمنية.
لازلت أتذكر جيداً، أن مدينة تعز كانت من أوائل المدن التي خرجت في مظاهرات حاشدة رافضة الانقلاب، ومؤيدة للشرعية، وسطر المتظاهرون لوحات نضالية بديعة عند معسكر القوات الخاصة، بعد دخول مئات الحوثيين إليه في 20 مارس 2015، لكن حجم القمع الذي تعرض له المتظاهرون، وعدم إيمان الحوثيين بالخيار السلمي، أدى إلى بروز نزعة عسكرية للكثير من أبناء المدينة، بعد فشل الخيار السلمي وتفاقم القمع، وانفجر الوضع عسكريا في منتصف إبريل 2015.
نحو ثلاث سنوات مضت، وتعز تخوض معركة مصيرية، للانتصار للأرض والإنسان، ورفض طمس الهوية اليمنية، واستبدالها بأخرى مستوردة، ومن البديهي ألا ترضخ تعز وأبناؤها للقوى الانقلابية، ومشاريعها السلالية والتمزيقية، كون تعز مستعصية على الخضوع والإلغاء، ومهد الثورة الشبابية التي أطاحت بنظام صالح، وهو في عز جبروته وطغيانه.
عند الحديث عن مدينة تعز، ومعركتها في استعادة الدولة ومؤسساتها، ورفض الانقلاب، فلابد من التوقف عند جملة من الأحداث والمواقف والتحديات، التي فرضت نفسها خلال ثلاث سنوات من بدء المعركة المستمرة.
وإذا ألقينا نظرة متواضعة على المشهد العسكري والميداني، نجد الجيش الوطني يشكّل حجر الزاوية في هذا المشهد، فالمساحة الضئيلة التي كان يسيطر عليها الجيش الوطني عند انطلاق المعركة، أصبحت اليوم أكثر اتساعا على امتداد جغرافيا المدينة، بعد تحرير مساحات كبيرة شرق المدينة وغربها، وكسر الحصار الجائر جزئيا من جهة الغرب، بعد خنق المدينة لنحو عامين من كل الجهات، وهي انتصارات تحققت بفضل الله عز وجل، ثم بفضل أبطال الجيش الوطني، الذين بذلوا تضحيات جسام في طريق معركة مصيرية، عمدوها بدمائهم وآلامهم، وتطلعاتهم في العيش بحرية وكرامة، وأمن واستقرار.
خلال ثلاث سنوات من الحرب، قطعت تعز شوطا كبيرا، في بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، كان أبرزها دمج المقاومة الشعبية في الجيش الوطني، وفق القرارات الجمهورية، ومعالجة ما ترتب عليها من إشكاليات، وبذل جهود ملموسة في بناء المنظومة العسكرية وفق أسس وطنية، بالتوازي مع استمرار العمل العسكري في مواجهة آلة القتل الحوثية، رغم الإمكانيات المتواضعة التي يمتلكها الجيش الوطني، إذا ما قورنت بحجم التسليح الذي يمتلكه الجيش الوطني في بقية المحافظات، وهو ما يعكس وجود رغبة خارجية في إطالة أوجاع المدينة وتركها رهينة الخذلان والحصار.
منذ تأسيسه وحتى اللحظة، يواجه الجيش الوطني في تعز تحديات كبيرة، تتطلب منه البقاء عند مستوى المسؤولية الوطنية، والآمال الشعبية، وهو يخوض حربا مع قوى الانقلاب في الداخل، وإملاءات الخارج التي تحاول حرف مساره. وإضافة للتحديات الأمنية داخل المدينة واغتيال عشرات الجنود، يتعرض الجيش الوطني أيضا لحملات تشويه ممنهجة، تهدف للنيل منه، وخلق حالة من العداء مع أبناء المدينة، وهي حملات تنطلق من تسييس وتعميم بعض الحوادث والأخطاء، و لا يمكن قبولها، كونها تتعارض مع المنطق، ومع تضحيات المدينة وأبنائها من أبطال الجيش الوطني.
وهنا لا يمكن إنكار حدوث أخطاء في منظومة عمل الجيش الوطني، فمن لا يخطئ لا يعمل، ويجب على الشارع أن يمارس حقه الطبيعي في النقد وتصويب الخطأ، وإبداء وجهات النظر، بعيدا عن التسييس، والتعميم الذي لا يخدم معركة تعز، فشتّان بين التشويه الممنهج، والنقد البناء مهما كان لاذعا.
المشهد العسكري في تعز مرتبط أيضا بحسابات سياسية ضيقة لدولة الإمارات، التي تعمل على عرقلة تحرير المدينة، بسبب رفض التشكيلات العسكرية الانضواء ضمن مشروع أبو ظبي، أو أن تتحول لأداة إماراتية لتنفيذ أجندة تتنافى مع الأسس العسكرية والوطنية، وهنا ترى الإمارات أن من مصلحتها إطالة أمد الحرب واستنزاف الجيش الوطني، حتى يرضخ لشروطها أو تنجح في إيجاد بديل يدور في فلكها وعبثها الغير مبرر.
حالة مفجعة من التسييس والمناكفات تمر بها تعز منذ نحو ثلاث سنوات أيضا، شملت حتى الجانب الإنساني، فالمدينة المحاصرة يتعرض جرحاها وهم بالآلاف لإهمال غير مبرر، كما أنها لا تنال حصتها المناسبة من الإغاثة، وسط حديث يتكرر عن اختفاء مئات آلاف السلل الغذائية، وتصاعد وتيرة الجوع والتجويع، انقطاع مرتبات الموظفين، وتأخير صرفها، يرسخ وجود حصار من نوع آخر غير الذي يفرضه الانقلابيون منذ نحو ثلاث سنوات.
تحتاج تعز اليوم للوحدة والتكافل أكثر من أي وقت مضى، والاصطفاف خلف الجيش الوطني لمواجهة الميليشيا الانقلابية وتحرير ما تبقى من المدينة، وإعادة الاعتبار للأرض والإنسان، خصوصا في ظل المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف المدينة، وتسعى للتعامل معها كورقة رابحة لتحقيق مكاسب معينة على حساب الدماء والتضحيات.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية