هل يؤثر مقتل رئيس المؤتمر الشعبي العام، والطرف الثاني في الحرب اليمنية، علي عبدالله صالح في مسار الحرب؟ وكيف؟ ما السيناريوهات المتوقعة بعد مقتله المفاجئ على يد حلفائه الألداء؟ ما أثر ذلك على الحرب الممتدة أكثر من ثلاثة أعوام، وعلى التدخل الإقليمي، والحرب الخارجية؟ وما رد الفعل لدى حزب صالح ومؤيديه، وموقف قبائل الطوق؟ ما أثر ذلك على مساعي السلام، والضغط الدولي لوقف الحرب؟.
صالح هو "عَرَّاب" الحرب، و"حصان طروادة" اجتياح عمران وصنعاء وذمار وإب من مدن الشمال، وصولاً إلى عدن، وحصار تعز. فجيش صالح وأمنه ومحازبوه هم من قادوا مليشيات الحوثي إلى الانتصار الخاطف على سلطة الرئيس المنتخب والمعترف به دولياً. الثأر والرغبة في الانتقام أعميا صالح، وهو الذكي حد المكر، عن رؤية المصير البائس، فالمليشيات التي حاربها ستة أعوام، سلمها، في لحظة انتقام، مصيرَه ومستقبلَه.
في بداية الانقلاب، استخدم صالح أنصار الله (الحوثيين) طاقية إخفاء له، وهو القوة الرئيسية في الانقلاب، لكنهم بعد الاستيلاء على الموارد، وكسب ولاءات جزء كبير من جيشه وأمنه وأتباعه، أصبح هو طاقية إخفاء تخلوا عنها بالتخلص منه. لكن مقتله يضعهم طرفاً واحداً في مواجهة الحرب، وفي كل تلك المشكلات التي تبدأ ولا تنتهي، فوحدهم يتحملون مسؤولية معاناة الشعب، والثمار الكريهة للحرب، وما يترتب على الحصار من مآسي المجاعات الطاحنة، والأوبئة الفتاكة، وانعدام الخدمات، وانهيار كل شيء.
موته الحقيقي يوم قيل له: ارحل.. ويوم 24 أغسطس/ آب الماضي، لمّا انتظر مناصروه بالآلاف كلمة منه ضد الحرب، وعن مرتباتهم المقطوعة منذ عام، فخذلهم بتكرار الدعوة إلى الحرب. وليس يوم القتل العمد إلا دفن الجثة ومواراة الجسد. وقد أحدثت طريقة قتله تعاطفاً شعبياً معه، لأن القتل يفتح الباب أمام ديمومة الحرب، والحرب داخل الحرب، وربما حرب الكل ضد الكل، ويرى الناس في مقتله مزيدا من المآسي.
أراد صالح، في احتفال ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام أن يجعل منها أرضية مناسبة للانقلاب على أنصار الله. ويقال إنه كان يريد الاحتفال تغطية على خطة عسكرية؛ لإطاحة حلفائه، لكنهم حشدوا مليشياتهم في العاصمة ومداخلها؛ لإفشال خطته. كان رد الفعل من جنس العمل؛ فقد امتشق الأنصار مولد الرسول؛ ليجعلوا منه مناسبةً لتفجير الأوضاع، والانقلاب عليه. ويبدو أن صالح فتح خطاً مع السعودية، بواسطة الإمارات المتعاطفة معه في مواجهة حزب التجمع اليمني للإصلاح، وكانت عيون كل منهما مفتوحة على تحركات الآخر واتصالاته، وكل منهما كان يشحذ أسلحته.
بادر صالح، في غمرة احتفالاتهم بالمولد النبوي، فاستولى على مواقع عديدة داخل العاصمة والمؤسسات والوزارات، فأظهروا الاستسلام، لكنهم كانوا قد أعدّوا قوة لمحاصرته في منزله ومنازل أسرته. كما تخلت عنه قبائل الطوق السبع حول صنعاء، وكان قد راهن عليها، أو وقفت على الحياد بما في ذلك قبيلته سنحان.
مقتل صالح، وبتلكم الطريقة، قلب المعادلة لاحتمال إطالة أمد الحرب، وتعطيل مساعي السلام. فصالح، على الرغم من أنه رجل حرب، إلا أنه بحكم خبرته الطويلة، وعلاقاته بأطراف الحرب وبالأطراف الدولية، يستطيع فتح قنوات، وتقديم تنازلات، ثم إنه الأقدر على تقدير موازين القوى، وتفهم الأوضاع السياسية والأبعاد الإقليمية؛ ولعل هذا سببٌ في إحداث حالة التعاطف والحزن الذي تركه مقتله؛ فأنصار الله مليشيات مسلحة أكثر حماسةً للحرب، وأقل خبرةً باتجاه رياح السياسة والحلول السلمية. وفي آخر خطاب له، في 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قدّم صالح نفسه داعية سلام. وبمقدار ما كان الخطاب مصدر تعاطف معه بعد مقتله كان مبرّراً للانقلاب عليه وقتله، وتخلي أطراف الحرب عنه.
صالح ذكي حد الدهاء والمكر، وله امتداد في البنية القبلية، وفي الحياة السياسية عبر حزبه المؤتمر، وهو حزب إدارة السلطة، وتربطه علائق مع مختلف التركيبة المجتمعية. صحيح أن الحزب قد انقسم على نفسه مرتين، بعد جمعة الكرامة 18 مارس/ آذار 2011، وبعد لجوء عبد ربه منصور هادي إلى الرياض، لكن القسم الأكبر من الحزب ظل في مدن الشمال، وغالبيته موالون لصالح، إضافة إلى نفوذ الأخير في بقايا الجيش والأمن والقبائل. حلفاؤه السابقون قوة مليشيوية تفتقر للذكاء السياسي، والخبرة العملية في إدارة السلطة والتعاطي مع الشأن السياسي، وتستهين بالرأي العام الدولي، وبالمدنية والحياة السياسية، معتزة حد الغرور بالبنادق، وعضلات القوة.
الاحتمالات المفتوحة كأبواب جهنم بعد مقتل صالح هي انحياز جزء كبير من محازبيه، والقوى الموالية له، مع التحالف الذي تقوده السعودية وحلفاؤها المحليون، وهو ما يضاعف من اختلال التوازن (المختل أصلاً)؛ ما يغري السعودية وحلفاءها بالإيغال أكثر فأكثر في تأجيج الحرب، والتورّط في وهم القدرة على الحسم العسكري. وصحيح أن "أنصار الله" فقدوا بقتل صالح الغطاء السياسي، وأعدادا كبيرة من الموالين له، لكن هذا لا يعني القدرة على حسم معركة جبال اليمن ووديانها وسهولها، فالحرب في اليمن، ماضياً وحاضراً، لا تحل بالحرب، الأهلية منها والحروب الخارجية، لكن الخيار المنطقي أن ضعف "أنصار الله"، والضغط الدولي، قد يدفعانهم إلى إبداء قدر من المرونة للتفاوض، والقبول بحل سياسي لا يكون بعيداً عن المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً
القدس مدينة السلام
السلام الخيار الوحيد