الزيارة التي قام بها وفد يمثل جماعة الحوثي إلى العاصمة العراقية بغداد الأسبوع قبل الماضي ولقاؤه بالقيادات الرسمية فيها ممثلة بوزارة الخارجية، إضافة إلى مرجعيات دينية بارزة، يمكن إدراجها ضمن الزيارات غير البريئة قياساً بالنتائج التي خرجت بها اللقاءات والتي أيقظت روح العصبية الطائفية وروجت لرسائل أرادت المرجعيات العراقية وبضمنها الإيرانية إرسالها إلى دول الخليج العربي.
بعيداً عن الطابع السياسي للزيارة بقي البعد الطائفي هو الأبرز من حيث النتائج، فالوفد الحوثي تجنب أولاً أن ترافقه قيادات من حليفه السياسي في صنعاء ممثلاً في حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولو كان فعلها لكان نزع عن الزيارة الصبغة الطائفية التي ظهرت بوضوح في اللقاءات التي عقدها الوفد في بغداد.
الأمر الثاني الذي برز في الزيارة بشكل واضح هو اللقاءات التي عقدها الوفد في وزارة الخارجية وتعامل القيادة العراقية مع الوفد بصفة رسمية، وهذا أمر يخالف الإجماع العربي في عدم التعامل مع الحوثيين بصفتهم جماعة استولت على السلطة بقوة السلاح.
الأمر الثالث، وهو الأخطر، تمثل في دخول الحشد الشعبي على خط الأزمة في اليمن عندما أعلن عدد من قادة الحشد استعدادهم للذهاب إلى اليمن والقتال إلى جانب الحوثيين.
لم تكن جماعة الحوثي في حاجة إلى مثل هذه التحركات لأنها تكرس الصفة المذهبية في سلوكها وسياساتها، وتؤكد ارتباطها بإيران، رغم إنكارها لذلك، وهذا يعني أنها تحولت إلى ما يشبه «مخلب قط» في المنطقة، وتمنح حربها مع الشرعية في اليمن بعداً طائفياً بامتياز.
تهديد الحشد الشعبي بالدخول على خط الأزمة في اليمن دليل على نية مبيتة لخلط الأوراق في منطقة حساسة وتأكيد على أن إيران تلعب بورقة الحشد في صراعها الطويل والمرير مع المنطقة، فقد أرادت من وراء خطوة دعم جماعة الحوثي إلى تأكيد حضورها الكبير في الأزمة اليمنية وأن أياديها تستطيع الوصول إلى أي مكان تريده.
لقد أسقط تباهي الحوثيين بارتباطهم الطائفي والمذهبي بإيران، مزاعمهم بكونهم جماعة بعيدة عن الاستقطابات السياسية في المنطقة، فقد جددوا التأكيد على أنهم كانوا بمثابة وكيل لإيران في المنطقة ونفذوا كل سياساتها الرامية إلى إدخال اليمن في صراع طويل.
اللعب بالورقة الدينية يزيد من حدة الاستقطابات السياسية ويبقي المنطقة بأكملها في حالة غليان، وقد جاءت جماعة الحوثي لتجسد حالة من إنعاش الصراع المذهبي إلى جانب الصراع السياسي، ما أوجد حالة من الانقسام والتشظي في جسد المجتمع اليمني، الذي بدأ ولأول مرة منذ قرون يتعاطى مع صراعات أبنائه على أساس ديني لا على أساس سياسي.
*الخليج الإماراتية
اقراء أيضاً
المغامرون في باب المندب
حدثان بارزان في اليمن
الخوف من التغيير