"بناءً على اتفاق السويد، وبعد جولاتٍ عديدةٍ من المفاوضات لمعالجة ملفّ الأسرى، تتّجه المفاوضات الجارية في جنيف برعاية الأمم المتحدة نحو التوصل لصفقة إنسانية يتحرّر بموجبها 700 أسير، بينهم نساء ومدنيون، مقابل الإفراج عن 15 سعوديا من أسرى الحرب و3 سودانيين وآخرين". بهذه التغريدة، عبر موقع تويتر، أخبرنا المتحدّث الرسمي باسم جماعة الحوثيين ورئيس فريقها التفاوضي، محمد عبد السلام، قبل أيام عن التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى بين الحكومة اليمنية وجماعته.
للوهلة الأولى، يعتقد قارئ التغريدة أن الأسرى الذين جرى التوافق على تحريرهم هم أسرى الجماعة اليمنيون مقابل سعوديين وسودانيين فقط. لكن سرعان ما يمكن الوقوف عند كلمة "آخرين"، والتي تحيل إلى الأسرى اليمنيين من معسكر الشرعية. وتبيّن، بحسب رئيس وفد الحوثيين إلى المفاوضات في جنيف، عبد القادر المرتضى، أن الاتفاق يشمل 880 شخصاً، 706 محتجزين حوثيين مقابل 181 ستفرج عنهم الجماعة، أي عملياً 88 يمنياً إذا ما استثني السعوديون الـ 15 والسودانيون الثلاثة.
وصفُ عبد السلام الأسرى اليمنيين لدى الجماعة بـ"آخرين" دالٌّ على الكثير. تأبى الجماعة حتى اللحظة، رغم جلوسها على طاولة المفاوضات مع ممثلين عن الشرعية، الاعتراف بوجود اليمنيين الذين لا يوالونها. هم بالنسبة إليها مجرّد "آخرين".
تبنّت الجماعة هذه العقلية منذ عقود، لكنها مارستها بشكل فج، منذ طمعت بالسلطة واجتاحت العاصمة صنعاء ثم باقي البلاد، وأغرقتها في حرب مدمّرة لا تزال مستمرّة، وإن خفتت وتيرة المعارك بفعل الهدنة الضمنية، رغم عدم تجديدها رسمياً.
تعتمد الجماعة منذ عام 2014 على فكرة إلغاء الآخر وليس إقصاءه، سواء استدعى ذلك الانقلاب السياسي أو العسكري كما حصل في اتفاق السلم والشراكة عندما أطاحته رغم ما يضمنه لها من مكاسب سياسية غير مسبوقة، ويحوّلها إلى شريك فاعل في السلطة واختارت اجتياح العاصمة، أو تطلب القتل أو الحصار أو التهجير القسري. وما تعرّضت له المحافظات والقبائل، وحتى الأفراد، ممن رفضوا الرضوخ للجماعة خير دليل على ذلك. ولمحافظة تعز خصوصاً فصول من المقاومة والتعرّض للتنكيل على أيدي الجماعة. كما أظهرت التسريبات قبل فترة عن المحادثات السرّية بين الحوثيين والسعودية أن الجماعة تحاول تحييد الشرعية عن أي اتفاقٍ رسمي، إذ تضغط لأن يكون التوقيع متى ما تم مع السعودية فقط.
لكن استمرار هذا النهج يبدو عبثياً، خصوصاً مع تغيير المعطيات السياسية. تدرك الجماعة أكثر من غيرها أنها لن تبقى في منأىً عن تداعيات المرحلة التي تلي الاتفاق السعودي الإيراني على تطبيع العلاقات بينهما، مهما حاولت تصوير عكس ذلك. وهي تعي جيداً أن التصريحات الرسمية الإيرانية عن استعداد للانخراط والمساهمة في حل الأزمة اليمنية، وإن ربطتها بالقول إن المسألة شأن داخلي يعود لليمنيين التوصل إلى تسوية بشأنه، تحمل في طياتها رسائل يُفترض أن الجماعة قرأتها جيداً.
إذا ما مضى الاتفاق بين الرياض وطهران، ستكون الجماعة، عاجلاً أم آجلاً، مضطرّة ليس فقط للجلوس على طاولة واحدة مع ممثلين عن الشرعية، بل والاتفاق معهم على تسوية سياسية للأزمة. وأي تسوية لن تقصي الجماعة بحكم ما تمثله من قوة أمر واقع تحكم أجزاء واسعة من اليمن كما أنها لن تستثني الشرعية. والتعنّت الذي كان يبديه الحوثيون سابقاً متسلّحين بدعم طهران السياسي والعسكري لن يدوم، متى ما بلغت التفاهمات السعودية والإيرانية الملفّ اليمني.
ولذلك، ستجد الجماعة نفسها، عاجلاً أم آجلاً، مجبرة على الاعتراف بأن "الآخرين" هم يمنيون.
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مهزلة الرصيف العائم
المنظور الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية
انتفاضة الجامعات الأميركية