طالعنا المتحدّث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، قبل يومين، ببيان مقتضبٍ حمل عبارات غضبٍ من الاتحاد الأوروبي، على خلفية بيان مطول أصدره الأخير، وشرح فيه القرار الجديد الذي اتخذه مجلس الاتحاد بشأن اليمن، وتطرّق، في إحدى فقراته، إلى التزام الاتحاد الأوروبي بسلامة الأراضي اليمنية وبالحاجة إلى تسوية شاملة، ودعم جهود رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، قبل أن يوجّه دعوة إلى جميع الأطراف، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى الإقرار بالأهمية الجوهرية لوحدة مجلس القيادة الرئاسي، من أجل السلام المستدام في اليمن.
وشكّل ذِكر اسم المجلس الانتقالي على هذا النحو فقط استفزازاً له، وذهب الكثيري إلى حد اعتبار أنه ورد "في سياق سلبي غير صحيح ومخيّب للآمال"، رافضاً "أي تصريحاتٍ أو تلميحاتٍ من شأنها الإضرار بتماسك مجلس القيادة الرئاسي والإخلال بالشراكة التي نتجت عن مشاورات مجلس التعاون الخليجي، ويؤكّد على ضرورة احترام القضايا الوطنية والسياسية التي قامت عليها الشراكة، وفي طليعة ذلك قضية شعب الجنوب وحقه في الاستقلال".
مشكلة المجلس الانتقالي أنه يعدّ نفسه فوق الجميع. يحقّ له متى ما شاء أن ينتقد، يهدّد، يفجر اشتباكات، يعلن عن عمليات عسكرية بشكل أحادي، لكن ليس من حق أي طرف داخلي أو خارجي، من غير داعميه، التعبير عن رأيه بسلوكياته.
منذ 2017، تاريخ تأسيسه وحتى وقت قريب، شكّلت ممارسات المجلس عامل تأزيم في الجنوب، ومهدّداً للشرعية اليمنية. ففي وقت كانت الحرب دائرة مع جماعة الحوثيين، تم تأسيس المجلس وفرض هيمنته على العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات جنوبية أخرى. فشل الرئيس اليمني في ذلك الحين، عبد ربه منصور هادي، في التعاطي معه، بل اضطر إلى تقديم التنازل تلو الآخر له، ومُنِعت الحكومة فترات من العودة إلى عدن. وحتى بعد تفجّر الأزمة في 2019 وتوقيع اتفاق الرياض الذي نصّ على تقاسم الحقائب الوزارية بين الشمال والجنوب إلى جانب قائمة أخرى من البنود، لم يلتزم المجلس بكثير منها. ومع ذلك، بقي يراكم المكاسب السياسية، ونال نصيبه من مجلس القيادة الرئاسي الذي فُرض بين ليلة وضحاها وأطيح هادي، بموجب التركيبة الجديدة، ليحل مكانه رشاد العليمي مع نوابه السبعة في إبريل/ نيسان الماضي، وبينهم رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي
لم يكتف المجلس بذلك، وواصل مساعيه لقضم كل ما يستطيع، مستغلاً وهن "الشرعية" في المحافظات الجنوبية، قبل أن تأتي أحداث شبوة التي فجرها المجلس الانتقالي لتهدّد بفرط مجلس القيادة الرئاسي. لكن الضغط السعودي منع ذلك قبل أشهر، وعاد المجلس إلى اجتماعاته ولو بالحد الأدنى، ما يشي بعمق الأزمة المستمرّة. ولم يوفر الزبيدي فرصة توظيف تلك التطورات في حينه، مستغلاً غياب العليمي عن عدن، ليتصرّف وكأنه الحاكم بأمر الجميع، مستظلاً بسلسلة من ألقابٍ يحرص على إلصاقها في أي بيان صحافي يتطرّق إلى لقاءاته ومن بينها "الرئيس القائد، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي". مع العلم أنه يقيم منذ أشهر خارج اليمن، مكتفياً بلقاءات هامشية وبإرسال برقيات التهنئة لقادة عرب وأجانب، وإنْ كان مستبعداً أن يلقى مصير هاني بريك الذي أًبعد بين ليلة وضحاها عن المشهد في الجنوب، بعدما كان الرجل الثاني بعد الزبيدي.
مشكلة المجلس الانتقالي أنه منذ لحظة تأسيسه لم يكن سوى أداة تُحرّك عن بعد، فيصعّد عندما يُطلب منه، ويجنح نحو التهدئة وحتى الصمت عندما يُؤمر أيضاً. لكن الأخطر أنه يتعاطى بمنطق أنه يحقّ له ما لا يحقّ لغيره بصفته "حامل القضية الجنوبية وممثلها". مع العلم أن هذا التوصيف لا ينطبق عليه لأسباب عدة، بل يمكن القول إنه أكثر من أضرّ بالقضية الجنوبية بعدما نقلها من حراكٍ وطنيٍّ إلى قضية يساوم عليها لتحقيق مصالح أعضاء المجلس والمستفيدين منه.
*نقلا عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مهزلة الرصيف العائم
المنظور الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية
انتفاضة الجامعات الأميركية