يوم الأحد هو اليوم السابع لانتهاء الهدنة الأطول في تاريخ الحرب الدائرة في اليمن، ولم ينتج عنه تطور عسكري ميداني يتفق مع التهديدات المبالغ فيها التي أطلقها الحوثيون في محاولة واضحة لابتزاز الأطراف الخارجية المعنية بالهدنة، ولم يحدث فارقاً في الموقف السعودي الإماراتي وهما المجال الحيوي الموعود بهجمات حوثية محتملة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
هناك تطورات في غاية الأهمية تزامنت مع انتهاء الهدنة؛ أهمها الاشتباك السعودي الأمريكي على خلفية قرار منظمة أوبك الذي تهيمن عليها السعودية، تخفيض إنتاج النفط مليوني برميل، وهو رقم كبير فيما يقف العالم على أعتاب موسم شتوي قارس، وفيما تضغط الحرب الروسية الأوكرانية بشدة على قطاع الطاقة وتعرض أوروبا لأسوا تحد في تاريخها على هذا الصعيد.
تدرك السعودية أن حرب اليمن أحد أخطر التطورات الكاشفة لعمقها الاستراتيجي، وأحد المؤثرات السلبية على قرارها كدولة ذات ثقل إقليمي ومؤثر بارز في السياسات الدولية، مما يدفع بواشنطن، في ظل الإدارة الديمقراطية، إلى أن تستمر في استثمار الدور التخريبي للحوثيين في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهو توجه لن يكون غريباً على السياسة الأمريكية الضالعة في استراتيجية التفكيك الطائفي للبيئة اليمنية، مدفوعة بأولوياتها الخاصة جداً فيما يتعلق باللعب بورقة الإرهاب.
وأكثر ما أثار انتباهي في هذا السياق أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أرسلت وفداً من مجلس الأمن القومي والخارجية برفقة مبعوثها إلى اليمن تيم ليندركينغ، في إشارة إلى إمكانية أن تلجأ واشنطن إلى توظيف ورقة الحرب السعودية في اليمن، لتطويع الموقف السعودي المتمرد، إذا جاز التعبير، خصوصاً في مجال الطاقة ذي الأثر الحساس والبالغ الأهمية للسياسة الداخلية الأمريكية.
هناك ثلاثة أطراف دولية وطرف إقليمي تتحرك باهتمام بالغ في محاولة لإبقاء الآثار الراهنة للهدنة حتى بعد انتهائها، وهذه الأطراف هي: الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا والسويد، أما الطرف الإقليمي فهو سلطنة عمان، وجميعها تحرص وتراهن على حاجة الحوثيين أكثر من غيرهم لتجديد الهدنة، بامتيازات جديدة تراكم المكاسب العسكرية والسياسية للحوثيين.
هذه الأطراف بالتأكيد تحكمها قناعات مريحة وغير مكترثة بمصير اليمن، بضرورة الإدماج العنيف للحوثيين في البيئة السياسية اليمنية، وهو أمر تتبدى ملامحه السيئة في التغول الحوثي السياسي والعسكري والأمني والطائفي الراهن في مناطق سيطرة قواته، ولن يُسفر هذا الإِدماجُ بحسب ما تراه هذه الدول وعلى ضوء المعطيات الراهنة، سوى عن المزيد من الاحتقان والتخندق والاستعداد للقتال بما لا يضمن سلاماً مستداماً لليمن ولا لجواره الجغرافي في المدى المنظور.
أما لماذا لم يباشر الحوثيون فور انتهاء الهدنة، في تنفيذ تهديداتهم الموجهة في المقام الأول لكل من السعودية والإمارات، فلأنهم ببساطة يحتاجون إلى الهدنة أكثر من غيرهم، لذلك اكتفوا بالاشتباك الميداني مع خصومهم المحليين في نحو أربع جبهات، وجميعها أثبتت أن الحوثيين غير جاهزين للحسم العسكري بالمستوى الذي لاحظناه في محافظة مأرب على مدى السنة النصف الماضية.
الجديد في الاشتباكات الميدانية، تلك التي جرت خلال الأيام الماضية مع قوات الانتقالي في منطقة الحد التي تفصل بين محافظتي البيضاء الخاضعة للحوثيين ويافع التابعة لمحافظة لحج الخاضعة لقوات المجلس الانتقالي، وهو عبء عسكري طارئ ولا يحبذه الانفصاليون الذين اعتادوا البقاء خارج ضغط المعارك الحاسمة، واكتفوا بالتخادم مع التحالف في جبهات لطالما حسبوها على بلد آخر، ورأوها عوناً غير مستحق لـ"اليمنيين" العاجزين عن مواجهة الحوثيين بحسب مزاعم جوقة الانتقالي الإعلامية.
إن المرحلة المقبلة من تاريخ الحرب في اليمن ربما تكون فارقة، بالنظر إلى أن الهامش المتروك لدولتي التحالف بات ملغوماً أكثر من أي وقت مضى. وهذا في تقديري تطور إما أن يدفع بالسعودية إلى توثيق شراكتها مع حلفائها المحليين وفي مقدمتهم الجيش الوطني، وهذا مهم جداً لجهة الحسم مع التهديدات العسكرية الحوثية وامتداداتها الإقليمية، أو أنها للأسف ستلجأ إلى بدائل تقود إلى تفجير البيئة اليمنية بحروب وصراعات على خلفية مشاريع سياسية عديدة وادعاءات مناطقية متضاربة، لن يكون بمقدور السعودية توجيه دفتها أو تحصين المناطق الجغرافية ذات الأهمية الحيوية من تطورات عسكرية خطيرة، خصوصاً إذا انفتح المجال الإقليمي على تدخلات مرفوعة السقف، وهذا ما رأيناها في الهجمات الخطيرة التي تلقتها السعودية والإمارات بتدبير من القوات الإيرانية.
*نقلاً عن موقع عربي 21
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!