انقضى موعد هدنة اليمن من دون تمديدها مرّة جديدة، بعدما اختار الحوثيون عرقلة الخطوة. للجماعة حسابات محدّدة يمكن تلخيص عنوانها الرئيسي بالرغبة في ابتزاز الجميع، "الشرعية" والإقليم والمجتمع الدولي واليمنيين.
ليس محسوماً بعد ما إذا كانت الاتصالات المستمرة ستنجح في إعادة إحياء الهدنة أم لا، لكن المؤشّرات على الأرض تفيد بأن الخيارين واردان. فرغم ما حملته الساعات الأولى عقب انقضاء الهدنة من تحريك عدد من الجبهات، تحديداً في مأرب وتعز، إلا أن الأيام الماضية شهدت هدوءاً نسبياً. ولم يسجّل أي انطلاقٍ لمسيّرات الحوثيين باتجاه السعودية أو الإمارات، كما اعتادت الجماعة أن تفعل كلما أرادت توجيه رسائل. كما أن رحلات الطيران باتجاه مطار صنعاء، بموجب الهدنة المنقضية، لا تزال سارية. ما يعني أن الاتصالات قد تكون في طريقها إلى تحقيق تقدّم ما، ليبقى السؤال ما إذا كان قد اتفق على تمديدٍ جديدٍ يتركّز بشأن الثمن الذي قد يكون دُفع.
مشكلة جماعة الحوثيين أنها تريد كل شيء من دون أن تقدّم أي تنازلات. استراتيجيتها قائمة على قاعدة "هل من مزيد"، وذلك من الأيام الأولى لاجتياحها العاصمة صنعاء في 2014 ثم انقلابها على اتفاق السلم والشراكة وتفجير الحرب الممتدّة.
ترى الجماعة في كل تنازل تحصل عليه من الطرف الآخر أنه مجرد تمهيد لتنازل أكبر. تحقق لها خلال الهدنة أخيرا أغلب ما تريده، لكنها لم تكتف بذلك. تحدّث وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، قبل يومين، عن شروط غير مقبولة تطرحها الجماعة، منها المطالبة بدفع رواتب مقاتليها أولاً. أما المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، فتحدّث عن تقديم الجماعة "مطالب مبالغاً فيها ومستحيلة" بشأن آلية مقترحة لدفع رواتب القطاع العام، مطالباً إياها بإبداء مزيد من المرونة. ويبدو واضحاً أن المعضلة اليوم تتركز في التمييز بين رواتب الموظفين في القطاع المدني، والموظفين في القطاعين العسكري والأمني، وهو ما يفسر حديث بلينكن بشكل خاص.
كما أن القيادي في الجماعة، حسين العزي، أشار إلى نقطة أخرى، عندما كتب على "تويتر" أن الجماعة يمكنها القبول بإعادة رواتب الموظفين المقطوعة على مدى ست سنوات على مراحل، عوضاً عن دفعة واحدة، واصفاً الأمر بأنه "مرونة عالية".
تحرم الجماعة، منذ سنوات، الموظفين اليمنيين المقيمين في مناطق تستحوذ عليها من رواتبهم، رامية مسؤولية ذلك على الحكومة الشرعية، في وقتٍ تستحوذ فيه الجماعة على إيرادات ميناء الحديدة الذي يدرّ عليها الملايين شهرياً، وفي وقت تستغل هذه الإيرادات لتمويل عملياتها العسكرية ودفع رواتب مقاتليها. كما تتغافل عن كل ما قامت به لتعقيد أي حلحلة لهذه الأزمة الإنسانية، بعدما ساهمت في مفاقمة الانقسام المالي والنقدي بين مناطقها ومناطق الحكومة.
لا تجد الجماعة مانعاً في حرمان موظفي الدولة من الرواتب وتحويلها إلى "مجهودها الحربي"، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، فارضة إتاوات جبرية عليهم، مجترحةً، في كل مرة، مناسبة دينية أو سياسية لتحقيق ذلك. ولا تنزعج لرؤية مجموعةٍ لا بأس بها من قياداتها وهي تراكم ثروات الحرب من المتاجرة بالأزمات وافتعالها.
على مدى سنوات الحرب الطويلة، لم تثبت الجماعة يوماً أنها تضع مصلحة اليمنيين في مناطق سيطرتها ضمن قائمة أولويتها، بل حوّلتهم عملياً إلى رهائن لديها، تكتفي بمشاهدتهم يعانون ويزدادون فقراً، ويُحرمون من حقهم في الراتب والطبابة، بينما تستخدمهم ورقةً في مفاوضاتها مع المجتمع الدولي، على غرار ما جرى أخيرا.
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مهزلة الرصيف العائم
المنظور الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية
انتفاضة الجامعات الأميركية