لم يكن مشهد الاقتتال المسلح في محافظة شبوة اليمنية بالمفاجئ أو الاستثنائي، لا في التوقيت ولا في المضمون. عندما أسِس مجلس القيادة الرئاسي، بتركيبته التي تجمع بين الأضداد من المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينادي بالانفصال، وحزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام بجناحه المؤيد للشرعية وباقي الأطراف، كانت التساؤلات تتركّز حول المدة التي سيصمُد فيها قبل أن يكون أمام أول اختباراته الفعلية. لذلك، لم تكن خطابات التآخي والانسجام التي انتشرت تغرّ أحداً.
كانت الأنظار تتجه تحديداً إلى معرفة ما إذا كان مجلس القيادة العتيد سينجح في اختبار توحيد المؤسسات الأمنية ودمج التشكيلات المسلحة المتعددة. وجاء اختيار أعضاء اللجنة بطريقة فضفاضة، ليكون أول المؤشّرات على غياب أي نية جدّية للسير في هذا الاتجاه. لكن الاختبار الفعلي كان ما جرى في شبوة. ليست الاشتباكات الأولى من نوعها في هذه المحافظة، وكذلك الأمر في ما يتعلق بوجود قوى عدة داخل الشرعية، وعلى هامشها تريد إحكام قبضتها على شبوة، فالمحافظة تملك ما يكفي من المقوّمات لجعل الجميع يضعها نصب عينيه.
لكن اللافت الطريقة التي أديرت بها الأزمة. صحيحٌ أن روايات الاقتتال تعدّدت، لكن الثابت الوحيد أن الأزمة بدأت عندما تعرّض موكب قائد قوات الأمن الخاصة العميد عبد ربه لعكب (أقيل لاحقاً) لكمين من قوات دفاع شبوة (النخبة الشبوانية سابقاً) قتل فيه اثنان من حراسه. كل القرارات التي اتّخذت بعد ذلك لتسوية الأزمة فاقمتها بعدما بدا واضحاً أنه لا نيّة لمعاقبة المتورّطين فقط، وهناك توجّه إلى توزيع المسؤوليات على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
حتى قرارات مجلس القيادة التي أقال فيها عددا من القيادات الأمنية، واستبدلها بشخصيات أخرى، وإنْ كانت تُحسب على القوى السياسية نفسها، لم تفلح، لأن الهدف كان، منذ البداية، وضع اليد على شبوة. ولذلك أيضاً لم يكن مستغرَباً تدخل الطيران المسيّر لقلب موازين القوى لصالح القوات المدعومة من المحافظ والمجلس الانتقالي الجنوبي.
يبقى أن موقف رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي هو الأهم. "الرئيس" بدا كمن يحاول تبرئة ذمته من كل ما يحدث، لكنه خرج بعد سيطرة المليشيات على شبوة ببيان مليء بالتناقضات. تحدّث عن "أهمية الالتفاف حول سلطة الدولة وحقها في احتكار القوة"، في الوقت الذي كانت الأجهزة الأمنية النظامية تُدكّ بالطائرات وتُهاجم من مليشيات. كما تحدّث عن المبادرة "بموجب مسؤوليتنا الدستورية الى الاستجابة السريعة وقطع دابر الفتنة ومحاسبة المسؤولين عنها ودعم رمز الدولة وهيبتها الممثلة بالسلطة المحلية وقيادتها في سبيل وقف نزيف الدم وإنفاذ إرادة الدولة"، من دون أن يشرح كيف يحتمي المحافظ بمليشيات، وليس بأجهزة الدولة، وكيف يغطّي محاولة اغتيال قائد عسكري.
أعاد خطاب العليمي تذكير اليمنيين بالرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، تحديداً عندما وقف في شهر يوليو/ تموز 2014 في عمران التي سقطت يومها بيد الحوثيين، بعدما كانت قد شهدت قتالاً بين الحوثيين وقواتٍ حكومة مسنودة برجال القبائل، ليتحدّث عن عودتها "إلى سيطرة الدولة". في ذلك الحين، عندما سقطت عمران كانت مجرّد البداية لتنفيذ أطماع الحوثيين، والانطلاق نحو اجتياح العاصمة صنعاء، والاستيلاء على الدولة ثم التمدد جنوباً وإشعال الحرب الدائرة... صحيحٌ أن سقوط شبوة ليس مشابهاً على نحو كبير، لأن الأطماع بشبوة قائمة منذ مدة طويلة، وأهداف تحرّك المليشيات واضحة، لكن دلالته تبدو متشابهةً لجهة التأريخ لمرحلة جديدة من تهاوي مؤسّسات الدولة لصالح المليشيات.
اقراء أيضاً
مهزلة الرصيف العائم
المنظور الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية
انتفاضة الجامعات الأميركية