أعلنت حركة طالبان في 15 الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، قيام "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وتنصيب المولوي هبه الله إخوان زاده أميرا على البلاد، عاصمتها كابول، ولغتها الرسمية البشتوية، وذلك بعد انتصاراتها في أفغانستان وفرض هيمنتها على العاصمة وفرار رئيس الدولة أشرف غني إلى الخارج. وللتذكير كانت هذه الإمارة قد تأسست عام 1996 واستمرت حتى 2001، وكان أميرها الملا عمر. واعترفت بها كل من السعودية وباكستان والإمارات.
ثم لم يُكتب لها الحياة، إذ وقعت تحت الاحتلال الأميركي بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، والتي تعرف في أدبيات بعض الإسلاميين بغزوة نيويورك، والتي أدّت إلى تدمير مركز التجارة العالمي، ومهاجمة مبنى وزارة الدفاع الأميركية في واشنطن. وقد أطلق الرئيس الأميركي بوش الابن على الحادثة "حربا صليبية"، وسرعان ما سُحب ذلك التصريح من التداول، إلا أنه بقي في الذاكرة.
(2)
إذا كانت حركة طالبان فرضت سلطتها على معظم التراب الأفغاني أخيرا، وتخلصت البلاد من قوى الاحتلال الأميركي بسهولة، فإنها لا شك تواجه عقبات كثيرة، أهمها الخلافات الإثنية بين أهم مكونات الشعب، فأغلب قادة الحركة وكوادرها ينتمون إلى قبائل البشتون (موطنهم جنوب البلاد وشرقها، على حدود باكستان)، التي تشكل أكثر من 42% من السكان، بينما القوة المنافسة لهم هي قبائل الطاجيك (موطنهم شمال البلاد وغربها)، ويمثلون ما نسبته تقريبا 35% من السكان. وتفيد المعلومات الموثقة بأن هناك صراعا على الهوية بين القوتين، وصراعا آخر على شكل الحكومة المركزية.
وأفغانستان تُعرف في التاريخ باسم "خراسان"، ويفضله الطاجيك. ومفردة أفغانستان مشتقة من كلمتي البشتون وأفغان، فأصبحت أفغانستان، وذلك عام 1919 نتيجة اتفاقية روالبندي التي وضعت حدّا للحرب بين البشتون والإنجليز. ويجدر بالذكر أن تسلم المجاهدين الحكم في أفغانستان عام 1992 أحدث انقساما بين الطاجيك، بقيادة برهان الدين رباني، والبشتون بقيادة قلب الدين حكمتيار، الأمر الذي أدّى إلى خروج ربّاني وأحمد شاه مسعود من العاصمة كابول، وآلت الهيمنة لحركة طالبان، إلى أن تم الاحتلال المشار إليه أعلاه.
(3)
مشكلة أخرى تواجه حكومة طالبان لا تقل خطورة عما ذكر أعلاه، أن دول حلف الناتو (قوة الاحتلال المنسحبة من أفغانستان)، تعمل بكل جهودها لإفراغ البلاد من الكوادر الأفغانية المدرّبة بإخراجهم من البلاد، بذريعة حماية المتعاونين مع قوى الاحتلال، وقد بلغ عدد المرحّلين، حتى كتابة هذه السطور، أكثر من 122 ألفا على يد الأمريكان، ناهيك عن القوى الأوروبية، وهو عدد كبير من المهنيين، كانوا يعملون تحت مظلة الاحتلال بحثا عن قوت يومهم.
لقد تعرّض الشعب الأفغاني لحملة تخويف رهيبة من انتقام حركة طالبان المنتصرة، من كل الذين بقوا في البلاد تحت إدارة قوى الاحتلال الأميركي منذ عام 2001، وهي حملة ظالمة. راحت جحافل المرعوبين من انتقام "طالبان" الموهوم يجمعون أسرهم وأطفالهم، والنساء والشيوخ، لكي يلحقوا بالركب الراحل عن البلاد. وشاهدنا المنظر الرهيب، الناس يتدافعون نحو الطائرات على مدرج المطار، وبعضهم تعلق بالطائرة وسقطوا من الجو. منظر محزن ومؤلم، ذلك ما صنعه إعلام الأزمات.
عدد اللاجئين الأفغان في إيران 3.5 ملايين نسمة، حسب تقارير الأمم المتحدة. آثر بعضهم اللجوء إلى إيران بعد احتلال أميركا بلدهم عام2001. وعند انتصار "طالبان"، أخيرا، لجأت أعداد كبيرة من طائفة الهزارة إلى إيران خوفا من انتقام الحركة. ومعلوم أن إيران كانت قد جندت أعدادا كبيرة من هؤلاء في حروبها في العراق وسورية. ولمّا كانت حدودها مع أفغانستان تشكل 900 كيلومتر تقريبا، فليس مستبعدا أن تشكل تهديدا لأفغانستان في قادم الأيام.
وتفيد معلومات بأن إيران شكّلت تنظيمات طائفية، منها فيلق فاطميون الأفغاني، وزينبيون باكستان. وبذلك تعمل على مد نفوذها نحو وسط آسيا، بما في ذلك أفغانستان، باستخدام أقلية الهزارة الشيعية. وكذلك الحال مع دول الجوار، أوزبكستان 1500 لاجئ أفغاني وطاجيكستان مائة ألف. ويشكل المذهب الشيعي 18% من أصل 25 مليون نسمة، 3% من أصل ثمانية ملايين نسمة على التوالي.
(4)
للخروج من هذا المأزق، على قادة "طالبان" واجب استعادة هذه الجحافل البشرية الهاربة خوفا من الانتقام أو ضيق العيش تحت إدارة الحركة. ويتأتّى ذلك بطمأنة هؤلاء على حياتهم ومن يعولون، وإعطاء حوافز مادية ومعنوية لكل من يعود إلى البلاد وعدم مساءلتهم عما كانوا يفعلون. إصدار عفو عام واضح وصريح وإعطاء ضمانات لعدم مساءلة من يعود عن ماضيه، وتوفير سبل العمل لكل منهم، حسب مهنته وقدرته، سيقيم قاعدة لبناء جبهة داخلية متماسكة في وجه كل من يحاول العبث بالبلاد ومشاغلة النظام القائم عن بناء الدولة والتحليق بها في معراج التقدّم والازدهار.
آخر القول: حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية التعبير والمشاركة السياسية لكل مكونات المجتمع الافغاني، والسماح لكل من يرغب في مغادرة البلاد من الأفغان، ومحاربة الإرهاب، هو السلاح الذي سيشهره الغرب في وجه حكومة طالبان. وعلى ذلك لا بد لهذه الحكومة من استخدام السلاح نفسه من أجل نيل تأييد دول العالم، والاعتراف بالإمارة الإسلامية مستقلة ذات سيادة.
*نقلاً عن صحيفة "العربي الجديد"
اقراء أيضاً
الحرب في أوكرانيا والهموم العربية "اليمن نموذج"
القدس عروس عروبتكم.. هل من غيرة لحمايتها؟
العراق يستعيد الروح الوطنية الوثابة