بعد عامين وثلاثة أشهر على استئناف انعقاد مجلس النُّواب اليمني (البرلمان)، المحسوب على الرئيس المعترف به دوليًا، عبد ربه منصور هادي، أُشيع، قبل أسبوع، أن هذا المجلس سيعقد جلسته الثانية في مدينة سَيْئون في محافظة حضرموت، وهي المدينة ذاتها التي عُقدت فيه الجلسة الأولى، أواسط إبريل/ نيسان 2019، غير أنَّ هيئة رئاسة المجلس أعلنت أنَّ الاجتماع سيقتصر عليها فقط، وبرَّرت ذلك بقدرة الحوثيين على استهداف أي اجتماع مكتمل للمجلس في الوقت الراهن.
الحقيقة أن ثمّة إرادات متعارضة حالت دون انعقاد المجلس، لا ما سِيق من مبرّرات أمنية تتعلق بقدرات الحوثيين، أو غيرهم من الفواعل العنيفة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي مدعوم إماراتيًا)، وتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)، فذلك يدحضه الانعقاد الآمن للجلسة الأولى عام 2019، بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي، ووقوع مدينة سيئون تحت سيطرة قواتٍ مواليةٍ له، وما تشهده المدينة، حاليًا، من نشاطٍ أمنيٍّ غير مسبوق، يشرف عليه وزير الداخلية، فضلًا عن الاستعداد الذي تظهره قوات الشرطة العسكرية وقوات أخرى تابعة للجيش.
ولعل ممَّا يشير إلى تلك الإرادات التهديد الاستباقي الذي أطلقه، قبل أيام، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء أحمد سعيد بن بُريك؛ فقد مثَّل ذلك رسالة إماراتية، غير مباشرة، عبر أحد وكلائها المحليين، مع ما يحققه المنع من إضعافٍ لسُلطة الرئيس هادي، سيَّما أنه منقطعٌ عن البلاد منذ انعقاد المجلس عام 2019، وخضوعه، حاليًا، للعناية الطبية في الولايات المتحدة، منذ حوالى شهر على مغادرته الرياض، التي باتت مقرّا قسريًا له، ولشاغلي الوظائف العليا والوسطى في الدولة.
الإمارات، وإن كانت تتحكّم، على نحو مباشر وغير مباشر، في عدد من نواب البرلمان، بمن فيهم رئيسه، سلطان البَركاني؛ لتُدرِك، تمامًا، ما قد يثيره أعضاء آخرون فيه، بشأن إنشائها، من دون عِلم الحكومة اليمنية، قاعدة عسكرية متعدّدة الأغراض في جزيرة ميُّون (بريم)، الواقعة على عتبة مضيق باب المندب، خصوصًا أن عددًا من هؤلاء النواب أثاروا هذه القضية، في مايو/ أيار الماضي، ووجهوا سؤالًا بشأنها إلى الحكومة التي كلَّفت لجنة متخصصة لتقصّي الحقائق، لكنها لم تفصح عمّا توصلت إليه؛ ما يعني أن القضية لا تزال قابلة للإثارة مرة أخرى، علاوة على قضية تجسّس الإمارات على اتصالات مسؤولين حكوميين، بمن فيهم الرئيس عبد ربه منصور هادي.
الواقع أنه مهما بلغت جرأة النواب المناوئين للإمارات، وللتحالف عمومًا؛ نتيجة انحراف أهدافهما، وإيثار مصالحهما الخاصة التي تتعارض مع سيادة اليمن، وسلامة أراضيه؛ فإن أيّ تقرير قد يتلقاه البرلمان من الحكومة، بشأن القواعد العسكرية الإماراتية في جزيرة ميُّون، لن يقول الحقيقة كما هي؛ لأن الجزيرة لا تخضع لقيادة وزارة الدفاع، بل لما يُعرف بالقوات المشتركة، وعلى وجه الخصوص قوات المقاومة الوطنية التي تدعمها الإمارات، ولن يكون هذا التقرير مخالفا ما صدر عن التحالف في الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) الذي نَسَب إليه كل النشاط العسكري القائم في الجزيرة، زاعمًا أن الهدف من ذلك تعزيز قدرات القوات المناوئة للحوثيين.
وإزاء التحدّيات الخارجية التي تواجه انعقاد مجلس النواب، للمرة الثانية، أو الانتظام الدائم لدوراته، وفقًا للائحته الداخلية، وما ينصّ عليه دستور البلاد؛ فإن جملةً من العوامل الداخلية المتراكمة طوال عقدين على وجوده من دون تغيير أعضائه؛ جعلته كيانًا مختلًا في ذاته، وعبئًا ثقيلًا على بقية سلطات الدولة التي تحاول مؤسساتها التعافي من الصدمات التي تعرّضت لها؛ نتيجة لإخفاقه في قضايا مصيرية عديدة قادت البلاد إلى الانهيار، والتمزّق، والتدخلات الخارجية.
المصدر: العربي الجديد
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن