بخطى مريبة ومناقضة لأحكامه، يجري تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، المتمرّد عليها، خصوصًا ما يتعلق بالملحقين، العسكري والأمني، اللذين ظل تفسيرهما وتنفيذهما مثار تجاذباتٍ عنيفةٍ بين الطرفين، ومن خلفهما الإمارات والسعودية، منذ التوقيع عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
ما يُلحظ، الآن أنّ ما يحصل من تنفيذ للملحق العسكري لا يستقيم مع أحكامه، ولا مع الترتيب الوارد فيه؛ ما يشي بأن هنالك تفاهمات، وربما إملاءات، سعودية، قضت بإلغاء أحكام معينة منه، أو تعديلها، أو تأجيلها، ودفع الطرفين إلى قبول ذلك، ولكن هذا القبول يُخفي وراءه حساباتٍ أخرى، أسوأها استعداد كل طرف للتخلص العنيف من الآخر، فالانسحابات المتبادلة لقوات الحكومة وقوات (مليشيا) المجلس الانتقالي الجنوبي من مناطق التماس في محافظة أبين، وإخراج القوات المحسوبة على المجلس الانتقالي من عدن، تمثل تنفيذًا جزئيًا وشكليًا للبندين، الأول والثالث، من اتفاق الرياض، فضلًا عن أن ذلك قفز مكشوف على البند الثاني الذي يقضي بنزع كل أنواع الأسلحة، المتوسطة والثقيلة من قوات المجلس الانتقالي المتمركزة في مدينة عدن، قبل إخراج هذه القوات منها.
وبالسيناريو نفسه الذي فرضته جماعة الحوثي، لتنفيذ اتفاق استوكهولم 2018، في ما يخص السيطرة الأمنية على ميناء الحُديّدة، يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي نشر قوات أمنية موالية له، ولمموّله الإماراتي، في المناطق التي ستغادرها قواته في أبين وعدن، بزعمه إن هذه القوات هي ذاتها التي كانت متحكّمة في هذه المناطق قبل أحداث أغسطس/ آب 2019، فيما الواقع أنه استبدلها بقواتٍ أخرى موالية، وجعل عليها قادتها السابقين الذين انخرطوا في صفوفه.
وبالمثل، جرى نشر وحدات مسلحة من قوات العمالقة الجنوبية التي لم تتورّط في أحداث أغسطس/ آب 2019، في مناطق فاصلة بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي، لتبدو المسألة كما لو أنها تبادلُ أدوارٍ بين قوات جنوبية، فلا فرق بين هذه القوات وقوات المجلس الانتقالي سوى في رؤيتها حول من يحكم الجنوب، من الجنوبيين، سيّما أن هذا التموضع يمهد للسيطرة على بقية المحافظات الجنوبية من قبضة الحكومة الشرعية مستقبلًا، وتزداد فرص ذلك حينما تكون فيه القوى الوحدوية منشغلة بالقتال مع الحوثيين، وفقًا لما خطط له اتفاق الرياض.
على صعيد الملحق الأمني، يبدو أن أحكامه المعنية بالمستوى الأعلى لهيكل وزارة الداخلية جُمِّدت مؤقتًا إلى حين إحراز تقدم مُغرٍ في الملحق العسكري، ولا أدلَّ على ذلك من تأخير تولي مدير أمن (شرطة) عدن، مهماته، على الرغم من صدور قرارٍ بتعيينه نهاية يوليو/ تموز 2020.
وعلى الصعيد نفسه، كشفت المواجهات المسلحة التي نشبت في مدينة عدن، أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بين تشكيلات من "قوات الإسناد والدعم" التابعة للمجلس الانتقالي، عن تنفيذ قسري لجانب من الترتيبات الأمنية الميدانية، لكنها، في الواقع، نقلت هيمنة المجلس على عدن من الواجهة إلى الظل، وأعادت ترتيب قوى النفوذ المناطقية بين أجنحته، وفقًا للولاء السعودي، فيما غابت عن هذا المشهد، تمامًا، الحكومة الشرعية التي لا يُراد لها أن تعود إلى عدن، وإن عادت فإنها لا بد أن تكون منزوعة المخالب والأنياب.
والواقع أن عموم المشهد المرصود لتنفيذ الملحقين، العسكري والأمني، لا ينبئ بنية صادقة لدى السعودية والإمارات لتسهيل عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، بعد تشكل الحكومة، وفقًا لما ورد في اتفاق الرياض؛ لأن هشاشة الوضع الأمني الذي تُهيأ له عدن تشير إلى ذلك. وإذا ما أقدم الرئيس على العودة، فإنه سيضع نفسه على بعد خطوات من نهاية دامية، لا تقل دمويةً عن سلفه؛ ذلك أن فرص تغلبه شحيحة، إذا ما قارنَّا، من حيث القوة، بين وضعه الراهن ووضعه في أثناء انقلاب المجلس الانتقالي عليه في أغسطس/ آب 2019.
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن