أشعر بالخجل حين أقترب من مشهور ما وأكتشف مستوى هشاشته، سياسي مشهور، ناشط كبير في مواقع التواصل، يملك نصف مليون متابع، مدير قناة، مذيع، نائب وزير، سفير هنا، وكيل محافظة هناك، وآخرون من مستويات وظيفية مختلفة.
في الحقيقة لا يصدمني خواءه، بقدر ما يصدمني ثقته بهذا الخواء، كما أنه من الطبيعي أن يكون بسيطًا في وعيه؛ لكن ما يدفعك للذهول غالبًا هو افتقاده لأبسط قواعد المنطق، هناك خلل منهجي في تفكيره لا يمكنك تجاوزه، إنه يتحدث عن كل شيء، وعن أكثر الأفكار تعقيدًا بلغة تعميمية قاطعة وثقة غريبة، مع كونه لا يقول شيئًا ذا قيمة. أقسم أنه لا يقول شيئًا أبدًا.
إن أخطر ما تصنعه الشهرة بالإنسان هو أنها تمنحه إحساسًا متضخمًا بنفسه، صورة فوقية منفوخة ومبالغ فيها، وستار عازل يحجب عنه حقيقة ذاته ، هذا الأثر النفسي الذي تولدة الشهرة، يدفع المرء للافراط في تقدير الذات_ أي تقدير وزنها وقيمتها ومستواها المعرفي_ما يجعله يتوهم حالة من الذكاء الخارق، ويخلق لدى المرء إحساسًا زائفًا بوعي كل شيء، فيشعر بأنه كليّ القدرة، كامل الوعي وقادر على نقاش أي موضوع وحسم أشد القضايا والأفكار جدلية وتعقيدًا، بمنطق تسطيحي مخجل، دون أن يستشعر مستواه الإدراكي الفاضح، أو حاجته للفهم.
ليس بالضرورة أن يكون كل الناس عباقرة، وليس مطلوب من كل إنسان الإحاطة بكل شيء، وليس عيبًا أن يظهر أكثر الناس مكانة، جهلهم أو عدم وعيهم بأمر ما، فقط تكمن الفضيحة في أن يحرس الإنسان جهله، يغالط نفسه، يرفض مواجهة عماءه، ويقيم بينه وبين وعيه حجابًا من النرجسية الفاضحة.
أن تكون مشهورًا، غالبًا ما يعني أنك مصاب بالنرجسية، بدرجة أو بأخرى، والنرجسية ببساطة، هي إمتلاك المرء لصورة ذاتية مبالغ فيها عن نفسه.
أن تكون مشهورا أيضًا، يعني أننا أمام احتمالين: إما أن تكون مستحقا لذلك بما تتوافر عليه من قيمة معنوية تشكل إضافة حقيقية للأخر، وفي هذه الحالة يحرسك وعيك من أمراض الشهرة، وإما أن تكون ساعيا للشهرة أو خدمتك ظروف بعينها ووصلت إليها بلا أي رصيد معرفي يضيف إلى متابعيك أي شيء، الأمر الذي يجعلك عرضة للإصابة باعتلالات الظهور الفارغ وأثره المدمر على وعيك ونفسيتك.
في نظرية لعالم الاجتماع البولندي "باومان" عن العلاقة بين مواقع التواصل والشهرة، يقول: بأن مواقع التواصل الافتراضية، أفقدت الشهرة قيمتها الإجتماعية وعكست القواعد التي ينبني عليها التفكير والشعور، فأصبح العالم الافتراضي هو المعيار الذي يحتكم إليه العالم الحقيقي، لا العكس، وبهذا تصبح شهرة مواقع التواصل، شهرة فارغة ولا تعبر بالضرورة عن قيمة صاحبها في الواقع.
من حق الناس أن يسعون للشهرة، سواء كانوا يمتلكون قيمة إضافية أو حتى فارغين، الأمر يتعلق بالحاجة لتحقيق الذات، وهي حاجة طبيعية، الأهم هو السيطرة على سلوكهم، وتحييد الوهم الذي تخلقه الشهرة في نفوسهم، كما يتوجب عليهم العمل باستمرار على إزالة التشويش الذي يخلقه الجمهور بينهم وبين وأنفسهم، والاجتهاد لتقليص حالة الانتفاخ التي تستبد بهم، ثم الحرص الدائم على الاتصال بمصادر تغذية ذاتية تضيء وعيهم تجاه الواقع والأفكار والقضايا باستمرار. لكن تحقق هذا يبقى أمرا صعبًا بالنظر لغواية الشهرة وكثافة حجبها، إضافة للإفتقاد لقيمة التواضع والشجاعة في مواجهة الذات عارية من أي غشاوة.
*ملاحظة: لا أعني أحد بعينه هنا، أتحدث عن ظاهرة الخواء لدى كثير من المشاهير بشكل عام
من صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"
اقراء أيضاً
"غزة" كرافعة أخلاقية للعدالة
في السلم والحرب.. طباع الحوثي واحدة
عن التعبئة الشعبية لمعركة الجمهورية