ليس مطلوبًا من غزة أن تدمر اسرائيل؛ يكفي أنها تحفظ شرف العربي ساخنًا، تُبقي كرامة الإنسان حية في تلك البقعة المنهوبة من العالم؛ حتى وهو غارق في الأنقاض.
أتخيل ماذا لو لم تكن هناك مدينة صغيرة "غزة" تحمل السلاح في فلسطين وتدافع عن أصحاب الأرض، لا شك أن خللا ما سيصيب معنى الوجود، غياب المقاومة في وجود الظلم : يعني تفسخ فكرة الإنسان، غياب أخر منابع الإحساس بالكرامة، تلاشي فكرة التدافع، وتلك فجوة يتسرب منها الذل ويغشى قلوب ملايين البشر. بدون غزة، ثمة خلل في القيمة الناظمة للحياة.
إنها الرافعة الأخلاقية الأخيرة لفكرة العدالة في بيت المقدس، البقعة الأثيرة في الكوكب الحاملة لقيم السماء، نقطة اشتباك يكتسب السلاح فيها طهارة خاصة وتُنشِّط فيها الرصاصة قيمة العدالة، إنها قضية تمتحن نزاهة البشرية بكاملها، لحظة يتآزر فيها البشر المحاصرين لمناهضة أعتى آلة استعمار وقح في العالم، ينجبون سلاحهم من العدم، ولو كان مشرطًا فتلك بطولة..وليس مطلوب منهم أكثر من ذلك.
أعظم ما تقدمه غزة للوجود، هو أنها تعيد للإنسان المقهور_في العالم كله_ثقته بقدرته على الخلاص ، قدرته على صناعة شيء والدفاع عن مصيره المنهوب، بصرف النظر عن فارق القوة، ومهما كانت المسافة بينك وعدوّك هائلة، بمقدورك أن تزعجه، تشوِّش عليه حياته، وتبقيه في قلق دائم.
سيخف منسوب الشر كثيرًا في العالم، حين يبدي المظلوم شراسة دائمة في الدفاع عن حقه. "غزة نموذجًا"
ليس ثمة ظرف يصلح لمدافعة الظلم وظرف أخر يبرر الخضوع له، في أي وضع أنت فيه، عليك أن ترفض الظلم وتناهضه.
حتى لو كنت بلا سلاح كاف، انتصر لوجودك بأبسط ما تملك، لا يجب أن تترك الساحة للمعربدين، مهما بلغ جبروتهم. لا يجب أن تنهزم العدالة مهما كان ثمن افتداءها، يجب أن تظل حية ولو كفكرة مجردة، يجب أن يعترض المرء على الباطل ويرفضه بأدنى ما يملك؛ كي يحرس آدميته من الهوان، بالكلمة، بالغضب، بالحجارة، بصواريخ القسام وبغزة التي تفيض بطولة ومجد كل لحظة.
المجد للأبطال
من صفحة الكاتب على الفيس بوك
والعنوان من اختيار المحرر
اقراء أيضاً
في السلم والحرب.. طباع الحوثي واحدة
عن التعبئة الشعبية لمعركة الجمهورية
مأزق "الإنتقالي" بين السلطة والمعارضة