أيها الفجر الساكن في عمق الأفق ألم تصلك أصوات النحيب المتهالك الآتية من موطني حتى الآن؟
أنا أتعمد جدا إرسالها إليك ما بين الفينة والأخرى في صناديق الرجاء المحلقة إلى حيث تقطن، والقتال الذي يحمل نفسا شرهه لم يكتفي بالدماء التي قدمناها قربانا كي يأتي الفجر أو نرحل إليه، ونتمتع بالخلاص ونسجد سجدات الشكر الطويلة ونحتفل في الطرقات وعلى الشرفات وفي أزقة الحارات العتيقة.
جرتني الأحزان رغما عن صبابة روحي وصغر سني ووهج شغفي إلى الليل الذي لا يسكنه سوى من انطفأت الحياة من بصيرتهم. لم تأتي لتخرجني و تخرجنا منه سحبتنا من تلابيب ضعفنا، وأصبحنا من ساكني الليل وأحبابه كبلت أعناقنا الخاضعة بقوة واستحقار كبلتها بالحديد المغروز في عمقه شوك ولهيب. لكن لم يكن كافيا كل هذا العذاب لنصرخ أو لننتفض.
ألبستنا لباس الفقر والفاقة والأسى والمرض وربما لباس العبودية الذي يجعلنا خاضعين لقوى لا تجرنا إلا إلى التهلكة، وترامت في ضواحي أعيننا صور الجثث المكدسة في ثلاجات المستشفيات الباردة وصاحت من رحم الصمت أصوات الثكالى القاتلة. لكن لم يكفي. لا زال القتال في أسخن مراحله ولا زالت الجيوش تدك فرص نجاتنا من قعر الجب الذي أسقطونا رغما عنا فيه.
ما شكلك أيها الفجر؟!
هل تشبه السيارة الذين أخرجوا يوسف من الجب بعد أن خانوه إخوته أم تشبه الغيث الذي هطل على قرية أشرفت على الموت من فرط العطش والقحط والمرض؟!
نحن نشتاقك جدا هنا الأطفال يبحثون عنك يسألون عنك كثيرا ويدعون الله أن يلتقوا بك قبل أن تحلق أرواحهم بعيدا عنا وعنك!.
وكأن أفواهنا لجمت عن قول لا وكفى وفي ذات الوقت الأفواه التي فتحت قطعت أعناقها وذهبت هباءً منثورا. أيها الفجر الساكن في عمق الأفق حبا بالله هيا إلينا فقد جفت ينابيع صبرنا ولا زلنا ننتظر لقياك أيها الفجر نحن هنا..!
اقراء أيضاً
وجه العملة الكاذبة..!
هنـَاكَ جِراح غائِرة في جسـد
بائـعة المناديـل