تمضي الأعوام عاماً بعد آخر، ونحن نمضي معها كمودعين لها ومستقبلين؛ إلا أننا رغم انقضائها ورحيلها التي لا عودة فيها، نقف كشواهد للأحداث التي تدور فيها، والتي تعد جزء منا.
وبشكل ما غيرت فينا، وأثرت على تفكيرنا في كل جوانب الحياة، وخاصة في حاضرنا المعبد بالقتل وسفك الدماء، ولم نعد نبالي كم انقضى منها، وكم سنعيش بعده؟.
مر عام آخر منذ أن تاهت خطواتنا في درب الحرب المقيتة، حيث تلك الطرق والمسالك التي افقدتنا مشاعر ومواقف وأشخاص لم نكن لنفقدهم لو لم نسلك ذلك الدرب المعتم، والذي يزداد عتمة كلما انقضى عام.
مر عام آخر منذ أن سقطت الأقنعة، وما زالت تسقط في ميادين الحياة، وفي مضمار النفس البشرية، التي كانت تتخذ من البعض قدوات؛ إلا أن الحرب أظهرت لهم وجه آخر، وأصبحت في أحياناً كثيرة، كغربال نبحث فيه عن قدوات تستحق التضحية والنضال.
لنصحح فيه المسارات، ونزيل عن عيوننا ستار من ظننا أنهم كذلك؛ إلا أنهم سقطوا أمام المغريات، وأمام البحث عن الشهرة والمنصب والمال.
مر عام منذ أصبحت مشاهد الدماء والقتلى والأشلاء والاعتقال جزء من روتين حياتنا اليومي، فلم نعد نفزع من الخوف، ولم نعد نشعر بهيبة الموت، وسلب الأرواح، وسطوة الظالمين.
مر عام منذ أصبحنا بلا مشاعر ولا شعور، ولا احساس بالآخرين، منذ أصبح البحث عما يمتلك الإنسان من مقومات الحياة المادية الملموسة، أهم وأسمى من جوهره، فأصبحنا ندفع للحرب الثمن مرتين، مرة بمشاعرنا التي نفقدها كل يوم من قسوتها ومرارتها، ومرة أخرى من قسوة الأشخاص الباحثين عن الماديات، في زمن يجب البحث فيه عن إضاءة ضمير في قلب كل شخص ما زال يحمل من صفات الإنسانية قيمة، رغم ندرتها و انعدامها.
مر عام تعلمت فيه أن الجراح التي نعيشها، والحروب التي نخوضها في أنفسنا ومع غيرنا في واقع الحياة، وفي كل جوانبها؛ ليست مؤامراة تآمر بها الغير علينا، فقد كنا نحن سببها، وبقدر ما انعدمت فينا الإنسانية والضمير والشعور، سنعطي للحرب أعواماً كثيرة قادمة، وسندفع من أجلها الأرواح تلو الأرواح، حتى نعود إلى رشدنا، ونحيي ضمائرنا، ونعتني بالمشاعر الإنسانية فينا ومن حولنا، ونسلتهم منها معاني الحب والتضحية والسلام، حتى ترحل الحرب، ونخمد فتيلها.
اقراء أيضاً
هل يُعتم القمر؟
على ماذا نخاف؟
ثغرة نور