بعد كل مواجهة جديدةٍ للمقاومة الفلسطينية في غزة ضد العدو الصهيوني، واحتلاله المستمر، تخرج أصوات "عربية" نشاز تحاول "شيطنة" المقاومة بحججٍ مختلفة. أكرّر هنا رسائل كتبتها سابقا، تعليقا على حجج هؤلاء الشياطين:
أولا، ليس في "إسرائيل" مدنيون بالمعنى المتعارف عليه اصطلاحاً، فكل الصهاينة فوق سن الثامنة عشرة هم ضباط وضباط صف وجنود في جيش الاحتلال، وغيره من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية، أو احتياط يمكن للمؤسسة العسكرية أن تستدعيهم في أي لحظة. ولا تُعفى من ذلك إلا قلة قليلة جداً لأسباب دينية، وغالباً من المستوطنين.
ثانيا، كل المستوطنين في الأرض المحتلة من الرجال والنساء، بغض النظر عن أعمارهم أو وظائفهم، مدجّجون بالسلاح رسمياً، أكانوا ينتمون للمؤسسة العسكرية راهناً أم كانوا من الاحتياطيين، وهذا ينفي عنهم الصفة المدنية بكل المعاني المتاحة.
ثالثا، من المعروف، والمقرّ به من الإسرائيليين، أن كل، وليس معظم، العمليات التي قام بها فلسطينيون خلت من أي نياتٍ مسبقة تجاه الأطفال. وفي كل عمليات المقاومة من الفصائل كافة، تجنّب المقاومون تماماً المساس بالأطفال، والأمثلة كثيرة وموثّقة من الإعلام الإسرائيلي نفسه، وتناولها باعتبارها ظاهرة غريبة بالنسبة لهم.
رابعا، يلاحظ المراقب العادل تعمّداً صهيونياً واضحاً باستهداف الأطفال الفلسطينيين في اعتداءات جيش الاحتلال. وتحتفظ الذاكرة العالمية بمشاهد كثيرة سجلتها الكاميرا على الأقل من هذا الاستهداف الإسرائيلي لأطفال فلسطين، ليس بدءاً بحادثة الشهيد الصغير محمد الدرّة، وليس انتهاء بحادثة الناجي الصغير من المحرقة الصهيونية أحمد الدوابشة. ولا يقال هذا هنا إنه مبرر للمعاملة بالمثل، لكنها إشارة لا يغفل عنها إلا من في قلبه مرض تجاه فلسطين.
خامسا، حماية الأطفال من مخاطر الحروب والمعارك مسؤولية المحتل، فهو من احتل الأرض، ومن تسلط على أهلها، ومن امتلك السلطة فيها، وهو يعرف أن أرض فلسطين كلها أرض حرب، ما لم يعد الحق لأهله. ومن غير العدل، ولا المنطق، تحميل المجنيّ عليه، وهو الفلسطيني، تبعات أفعال الجاني تجاه الأطفال من الفلسطينيين والإسرائيليين.
سادسا، الإصرار على انتقاد مثل هذه العمليات الفلسطينية، عربياً، اعتمادا على معلومات مغلوطة، ومنطقٍ لا يستقيم مع حقائق الاحتلال في الواقع والتاريخ والجغرافيا، يحمّل المقاومة عبئاً ثقيلاً، ويساهم في تخفيف العبء الأخلاقي عن كاهل جيش الاحتلال في عملياته التي تستهدف الأطفال أساساً. فالمتوقع مستقبلاً إزاء كل واحدةٍ من عمليات الصهاينة ضد أطفال فلسطين، دهساً وحرقاً وقتلاً، أن يستدعي الإعلام، بحسن نية أو بسوئها، انتقاد هؤلاء "الإنسانيين الجدد" من العرب عمليات المقاومة الفلسطينية، بحجة خطرها على الأطفال، ولنلاحظ أن لا أطفال إسرائيليين استُهدفوا، أو سقطوا ولو مصادفة، في هذه العمليات.
سابعا، يتحجّج بعضهم بأن "الحرب الشريفة" لا تُخاض في الأماكن المدنية العامة، وهذا صحيح في الأحوال العادية والحروب التقليدية، لكنه في فلسطين ليس صحيحاً، فعلى الرغم من الشكل المدني العام لهذه الأماكن، كالأسواق والشوارع والمراكز التجارية، فإن المعنى في فلسطين يكتسب دلالة خاصة، ففلسطين كلها أرض محتلة، وأي مكان فيها هو جزء من أرض المعركة مع المحتل. وبالتالي، للفلسطيني أن يختار المكان المناسب لأسلوبه في النضال، وفقا لرؤيته، ولما يتاح له من إمكانات في الزمان والمكان والأدوات.
ثامنا، يقال إن نقاط التفتيش والمراكز الحدودية والأماكن العسكرية وحدها التي ينبغي أن يعتمدها الفلسطيني أماكن لعمليات المقاومة، لكن هذا لا ينطبق على الحالة الفلسطينية، فليس هناك حدود ما بين فلسطين وفلسطين، والحرب مع المحتل مباشرة ومستمرة ومعلنة.
تاسعا، ليس الفلسطيني قاتلاً، بل مقاوم، وهو لا يقتل، لكنه يقاوم القتلة. وبالتالي، الإشارة إليه بوصفه قاتلاً مُغرضة بامتياز. والمقاومة ليست قتلاً عشوائياً، ومن يشير إليها بذلك يحاول مصادرة حق الفلسطيني في مقاومة المحتل، وهو حقٌّ إنساني أولاً وأخيراً.
عاشرا، فلسطين أرض عربية محتلة، ومقاومة المحتل داخلها، مهما كان نوعها، أو نوعية السلاح فيها، أو توقيتها، أو مكانها، أو هدفها، يحق للفلسطيني أن يُبادر إليها وقتما يشاء، كيفما يشاء، أينما يشاء.. حتى التحرير بإذن الله.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً
تجويع غزّة وليس جوعها
امتحان فلسطين
الجريمة المسكوت عنها