حينما هدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من أنه في حال لم تتمكن إيران من تصدير نفطها فإن تصدير النفط سيتوقف في المنطقة كلها، لم يكن يجادل فحسب، ولم يكن من المتوقع أن تغلق بلاده مضيق هرمز، فهي مغامرة لا يقوى وضعُ إيران السياسي والاقتصادي الراهنُ عليه في هذه المرحلة.
لكن جزءا من تهديدات الرئيس روحاني يتحقق، فثمة من تكفل بالأمر في منطقة أخرى هي جنوب البحر الأحمر، وثمة دولةٌ سنية كبيرة لكنها لا تحسن التدبير هي التي تطوعت بإيقاف تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب ليحقق روحاني تهديده دون أن تطلق بلاده رصاصة واحدة مباشرة باتجاه الهدف، على الرغم من ادعاءاتها المستمرة بأنها إنما تحارب إيران على الأرض اليمنية.
ففي الخامس والعشرين من هذا الشهر هاجم المسلحون الحوثيون ما يقولون إنها بارجة حربية سعودية تحمل اسم "الدمام" قبالة السواحل الغربية لليمن، فيما تؤكد السعودية أن الهجوم استهدف ناقلتي نفط سعوديتين وأن الهجوم تسبب في أضرار طفيفة.
وعلى الرغم من أن هذا الهجوم ليس الأول من نوعه فإن يلفت الانتباه هو أن الحكومة السعودية باشرت في الاستثمار السياسي لهذا الهجوم، عبر تصعيد لافت قضى بالوقف الفوري والمؤقت لتصدير النفط السعودي، عبر مضيق باب المندب.
لكن هذا التصعيد لم يحدث الأثر المتوقع على الصعيد العالمي، ولم يلتفت إليه أحد ولم يتفاعل معه أحد ولم يكن له تأثير حقيقي على أسعار النفط العالمية، ولم يكشف سوى عن تخبط حقيقي في التكتيكات والاستراتيجيات التي تحكم الأداء العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
كيف يمكن لهجوم على بارجة عسكرية أو حتى ناقلة نفط أن يصنع هذا التحول الدراماتيكي في الموقف السعودي على وجه التحديد، إزاء الوضع السائد في هذه المنطقة الحساسة من العالم، فيما لم تفلح هجمات سابقة أكثر تأثيراً ونفذها الحوثيون أيضاً في إحداث ذلك التحول.
والجواب هو أن السعودية تلقت ما يكفي من الصواريخ التي كسرت هيبتها ولم تحتمل وصول المزيد من هذه الصواريخ إلى عمقها الجغرافي، لذا تحرص كل الحرص على إغلاق الساحل الغربي أمام تدفق الأسلحة الإيرانية، وهي أكثر من أي وقت مضى، في أمس الحاجة إلى إقناع المجتمع الدولي بأهمية السكوت عن العملية العسكرية التي تتهيأ القوات الحكومية المدعومة من السعودية والإمارات لتنفيذها في مدينة الحديدة بهدف دحر مسلحي الحوثي من المدينة والميناء.
وعلى العكس مما يذهب إليه البعض، في سياق قراءاتهم للتطورات الأخيرة في جنوب البحر الأحمر، فإن الإعلان السعودي المفاجئ عن الوقف الفوري لشحنات النفط السعودي عبر مضيق باب المندب، لا يهدف في تقديري إلى استدعاء المجتمع الدولي عسكرياً إلى هذه المنطقة.
فالسعودية تمارس بهذه الخطوة المفاجئة، نوعاً من الابتزاز المدروس للمجتمع الدولي، على أمل التحرر من الضغوط الهائلة التي أجبرت هذا التحالف الكبير في إمكانياته العسكرية والمالية لأن ينتظر الكلمة الفصل بشأن مصير الحديدة من عبد الملك الحوثي القائد الميلشياوي الذي تخوض ميلشياته حرب استنزاف لهيبة السعودية وإمكانياتها وكرامتها.
يمضي التحالف السعودي الإماراتي قدماً في تبديد مكاسبه العسكرية في اليمن، فمن السيطرة المطلقة على المياه الإقليمية والدولية في جنوب البحر الأحمر، إلى الانكشاف عن عجز لا يمكنه فهمه أو استيعابه في حماية مضيق باب المندب، بل وإيقاف مرور شحنات النفط السعودي عبر المضيق حتى يصبح منطقة آمنة.
إن الصعوبات التي تواجهها المملكة في اليمن هي نتاج للموقف السياسي الذي يتسم بالانتهازية حيال اليمن، وهي كذلك نتاج الانحراف الكبير في أهداف الحرب السعودية الإماراتية من دعم الشرعية إلى تغييبها، ومن حماية الدولة اليمنية إلى تمزيقها، ومن صيانة التراب اليمني إلى تقسيمه.
ليس من صالح السعودية ولا يليق بها تحويل اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة مع إيران، لأن من شأن ذلك أن يكرس إيران طرفاً مؤثراً في المنطقة، في الوقت الذي تنجز فيه إيران حربها على الأرض اليمنية عبر وكلاء تلقوا الدعم الأكبر والإشارة الأولى لبدء معركة الاستيلاء على الدولة اليمنية من السعودية والإمارات الذي يضج عهدهما الجديد بالكراهية للقيم التي حملتها أنسام الربيع العربي، وللعوامل السياسية التي تكفلت بذلك الزخم الكبير لأنبل ثورات العرب في تاريخهم المعاصر.
*عربي 21
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!