أكثر من ثلاثة أعوام مضت على الحرب التي تدور رحاها في اليمن، شهدت تحولات دراماتيكية في المجريات والأهداف، وشهدت في بعض مراحلها تماسا خطيراً بين قطبي التحالف (السعودية والإمارات) وبين الحكومة الشرعية؛ نتج عن التهديدات التي شكلها نفوذ التحالف على سيادة الدولة التي جاء هذا التحالف لدعمها في استعادة سلطتها على الأرض ومساعدتها في دحر الانقلابيين.
بالغ التحالف العربي في إظهار سطوته على الأرض اليمنية، وكانت الإمارات الطرف الأكثر صلافة في التعبير عن هذا النفوذ العابر للدولة اليمنية، إلى حد باتت معه الأرض والمقدرات، وحتى ثوابت الدولة، رهنا بقرار الإمارات ونفوذها ونزعتها الجيوسياسية.
لم تكن الإمارات تتصرف من تلقاء نفسها، بل تحت غطاء سعودي عبر عنه الارتياح أو الصمت أو حتى المباركة غير المعلنة، لذلك مضت الإمارات في تأسيس دولة موازية تتبنى الخصومة المطلقة مع نموذج الدولة التي توافق عليها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، وقوامها الفيدرالية والتعددية والشراكة الوطنية.. دولة متصالحة مع كل التيارات السياسية، بما فيها التيارات الإسلامية التي باتت أكثر التزاماً بمقتضيات العملية السياسية وبقواعد اللعبة الديمقراطية.
وجدت الدولة اليمنية نفسها بعيداً عن دور أو تأثير، فقد تم إبقاء الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وأعضاء الحكومة ورموزها وقادتها العسكريين؛ لفترة طويلة رهن الإقامة شبه الإجبارية، وإن كانت مريحة في الرياض، وفُرضت على حركة المسؤولين اليمنيين رقابةٌ صارمةٌ؛ بلغت حد تعطيل رحلة أحد الوزراء الذي كان يتهيأ لزيارة مقررة له إلى مدينة إسطنبول لرعاية نشاط يخص اليمنيين المقيمين هناك.
ما نراه اليوم هو انحدارٌ واضح للنفوذ الذي مارسه التحالف بشكل مطلق في الجغرافيا اليمنية على مدى الثلاث السنوات الماضية.
وهذا الانحدار يعود في جزء منه إلى التصعيد المفاجئ من جانب الشرعية؛ على خلفية تطورات وضعتها أمام خيار صعب للغاية: إما المواجهة وإما الفناء، على نحو ما رأيناه في محافظة أرخبيل سقطرى.
على أن السبب الأكثر أهمية في الانحدار الملحوظ لنفوذ التحالف إنما يعود إلى التداعيات التي تولدت عن سلسلة من التجاوزات التي مارسها التحالف، وشملت فيما شملت إضعاف الحكومة الشرعية، وإنشاء دولة قمعية موازية تدعمها تشكيلات مسلحة لا وطنية، وسلسلة من السجون السرية، وعمليات لا حصر لها من القمع والمداهمات والاعتقالات، والتغييب القسري للمئات من اليمنيين الذين تعرضوا للتعذيب والعنف في هذه السجون وفقد بعضهم حياته تحت وطأة هذا التعذيب، في معزل عن القضاء اليمني والنيابة وأجهزة العدالة الأخرى في الدولة اليمنية.
وحينما قرر التحالف تحصين الرياض ومدن العمق السعودي الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثيون تباعاً من جهة اليمن، قرر هذا التحالف خوض معركة استعادة مدينة الحديدة من الحوثيين، متجاوزاً بقرار كهذا الخطوط الحمراء الدولية التي رسمت حول المدينة ومينائها الذي يعد ثاني وأكثر موانئ اليمن نشاطاً.
وحينما اتخذ التحالف هذا القرار، كان كل مسؤولي الدولة اليمنية بحكم المنفيين خارج البلاد، والسجون السرية الإماراتية تعج بمئات المعتقلين، والقوات السعودية تسيطر بشكل مطلق على المنافذ الجوية والبرية والبحرية في محافظة المهرة وتعطل حركة الحياة وتمنع السلطات اليمنية من القيام بواجباتها القانونية تجاه شعبها في هذه المرافق.
وفي الآن ذاته، كان التحالف لا يزال يواجه قضايا في غاية الحساسية، منها إدراجه مجدداً في قائمة الأمم المتحدة لمنتهكي حقوق الطفولة، واستمرار المنظمات الدولية في الإضاءة على الانتهاكات الإنسانية الخطيرة التي تقوم بها الإمارات في جنوب البلاد، إلى جانب ما خلفه تقرير فريق الخبراء الدوليين من انطباعات سلبية حيال التحالف، خصوصاً عندما اتهم التحالف بإضعاف الشرعية، وبخوض المعارك عبر قوات تعمل بالوكالة ولا تخضع لسلطة الحكومة الشرعية.
لقد عاش التحالف، ولا يزال، مأزق التعاطي مع ملف اليمن الشائك، فلم يستطع حتى الآن تجنب التداعيات السلبية الناجمة عن سياساته والسيطرة التي يمارسها على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي أيضاً.
لذا لم يكن أمامه من خيار سوى التراجع عن قرار نفي الشرعية، والانفتاح الإجباري عليها، حتى يظهر أمام المجتمع الدولي أنه يخوض معارك بأهمية معركة الحديدة مع السلطة الشرعية وتحت مظلتها.
اضطرت الإمارات إلى التعامل على مضض مع الرئيس هادي، وبدأت أولاً باستمالة رجاله، من أمثال نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، أحمد الميسري، الذي زار أبو ظبي وتوصل معها إلى تفاهمات بشأن ضرورة توحيد القرار الأمني، قبل أن يقوم الرئيس هادي بزيارة قصيرة لأبو ظبي بعد وساطة سعودية؛ عاد بعدها إلى عدن ومعه رئيس الحكومة ومعظم أعضاء الحكومة.
السعودية نفسها اضطرت إلى أن تستجيب لمطالب أبناء محافظة المهرة الواقعة في اقصى جنوب شرق البلاد، والذين نفذوا اعتصاماً مفتوحاً منذ أكثر من شهر، وطالبوا القوات السعودية بالرحيل.
لقد قبلت السعودية القيام بانسحاب جزئي لقواتها من المنافذ، وهو إنجاز مهم لأبناء المهرة، لكنه خطير من حيث أنه جاء نتاج صفقة عقدتها الرياض خارج إرادة السلطة الشرعية.
ومصدر القلق هنا هو أن السعودية، وهي تفتح خطاً مباشراً مع أبناء محافظة المهرة، إنما ترسي تقاليد جديدة في التعاطي مع الدول، حيث يجري التعامل مع المجتمعات المحلية في معزل عن السلطة الشرعية، وهو ما قد يمهد الطريق أمام تسويات قادمة قد تُفضي إلى تمرير مخططات سعودية للوصول إلى مياه بحر العرب عبر مشروع "قناة الخليج- بحر العرب" التي تهدف إلى إيجاد ممر بديل عن مضيف هرمز، وهو مشروع بات الإعلام السعودي يتحدث عنه بكل جرأة.
*عربي 21
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!