لا تَكُف يدك ونفسك عن بذل الخير، وتقديم المعروف، وقضاء حوائج الناس، وأنتَ لا تدري كم مددتها قبل ذلك؛ لتنقذ شخصا من الغرق في بحر أوهام العصابات، التي تزعم أنها تمتلك مفاتيح للجنة، وصكوك غفران من النار.
ولا كم أسعدتَ قلوب أناسٍ عابرين؛ لم تُكلفك كلمات مواساتهم شيء، لكنها أسعددتهم وأسعدتك.
ولا كم بذلت من جهد ووقت حتى تصنع إبتسامة طفل في زمن خُطفت فيه البسمة والضحكة المجللة، التي امتزجت بأصوات القذائف والصواريخ التي تحمل الموت إلى كل بيت، والخوف إلى كل قلب.
لا تدري كم تَحملت وصَبرت من أجل الأشخاص حولك، في زمن الضيق والكدر، الذي عشعش في صدورِهم، وافقدهم طول البال، وحُسن التعامل مع من حولهم في السلوك والكلام.
وكم تَنازلت وصَفحت وتَسامحت؛ لترفع عن أحدِهم حرج الإعتذار، أو طأطة الرأس، أمام موقف أو كلمة جارحة تفوه بها في لحظة غضبٍ عارم، إلى جانب أوضاع البلد والحرب، التي تخرج البعض عن جادة الصواب والتفهم، ولم يكونوا كذلك.
كم عفوتَ عند مقدرتك بالرد عليهم بأقسى مما تَفوَّهوا به أو بالمثل.
كم تساميتَ على رد الكلمة بالكلمة والجرح بالجرح.
كم مددتَ يدكَ للصفح وودتَ لو فعلوا ذلك وقبلوا، وكم تحاملتَ على نفسك حتى تخمد حرباً نفسية، إن إشتعلت قوَّضت سلامك الداخلي وسلامهم.
فجُرحتَ وتألمتَ وصفحتَ، ولم تكن من النادرين إن فعلت، فنهج السيرة النبوية كان فيه ومنه قصة وعبرة، اتعظت بها وانتهجتها فاتحاَ نوافذ للأمل في روحك فأشرقت بها، وعلمها غيرك، وغظ الطرف عنها انشغالاً بمآلات الحرب، ووضع البلد المزري، الذي جعله يركض لتوفير لقمة عيش، ومكان آمن، في زمنا لا آمان فيه من جوع ولا خوف.
وكيف لا تصفح عنه بعد كل ذلك، وقدوتك الحبيب المصطفى الذي زجر الصحابي سعد بن عبادة ناهيا له عن رغبته في الإنتقام من كفار قريش، الذين سلبوا الأرواح والأموال، وهجروهم من ديارهم قائلاً: اليوم يوم الملحمة، أي أن الغلبة والإنتقام لهم، فيرد عليه الحبيب العطوف الرحيم بقوله: اليوم يوم المرحمة.
اليوم نتسامى على الجراح، ونمدُ أيدينا لِنُنقذ الغرقى، ونُحطم أصنام العادات والعبادات، وننشر مع الإسلام السلام ..
وأنني حين أقرأ تلك السيرة، وخاصة فتح مكة، يتبادر إلى ذهني قول الشاعر:
أتتني في سكون الليل أطياف لماضينا
وراحت تنثر الأشواق والذكرى أمانينا
فمن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقينا
ومن للغاية الكبرى إذا صغرت أمانينا
ومن للحق يجلوه إذا كلت أيدينا ..
وبعض من كلمات كتبها المفكر الإسلامي مصطفى محمود، في كتابه عصر القرود، يقول فيها: "لانملك أكثر من أن نهون على بعضنا الطريق".
وهذا الطريق يَهون بالتسامي على الجراح، لنحيا ولِتكبر على الحب والصفح والتسامح أجيالنا.
اقراء أيضاً
هل يُعتم القمر؟
على ماذا نخاف؟
ثغرة نور