أية تمثيلية رثَّة هذه؟ أيُّ مَسْرَحَةٍ من الدرجة الثالثة يمارسها نظام البراميل والسارين صبيحة الضربة الغربية الأسخف، والأكثر رثاثةً، من مسرحية بشار المضحكة، بما يجدر به أن يُبكي؟
بشار الكيماوي ببدلة وربطة عنق وحقيبة يدخل، في هذه المونودراما البائسة، باباً يفترض أنه يؤدي إلى مكتبه لمزاولة "عمله" كـ "المعتاد". هذه هي الصورة التي يريد النظام أن يُظهر عليها أكبر مجرميه. لا شيء حدث. العمل جارٍ. الرئيس لم يمسَّه سوء!
ماذا في هذه الحقيبة اليدوية الضامرة؟ هل هناك "أوراق عملٍ" عليه أن يوقّعها؟ ولكن لِمَ لا تكون هذه الأوراق على مكتبه، كما هو الحال مع مدير عادي في مؤسسة حكومية؟ هل فيها سندويش أعدَّته زوجته التي لا تغفل عن هندامها الباريسي في أيّ صورةٍ تُلتقط لها، حتى مع من شرّدهم زوجها الكيماوي؟ ربما، هذا الاحتمال الأخير.
لأنَّ بشار، كأيِّ قاتلٍ، يخشى أن يُقتل. وكأيِّ قاتلٍ فهو مسكونٌ بأشباح الموت. إنه لا يأمن لأحد، ولا حتى لطباخه الخاص. لأنَّ الدم الذي أراقه، والأرواح التي أرسلها إلى السماء، تطوف حوله. إنه لا يأمن لأحد، فقد وزَّع الدم على كل ربوع سورية. ففي كل مدينةٍ، أو دسكرةٍ، هناك أمهاتٌ يرفعن أيديهن إلى السماء، ليشرب من الكأس نفسها التي جرَّعها لأحبائهن. لم يعد لهؤلاء النسوة سوى الله، سوى الأيدي المعروقة التي ترتفع إلى السماء والأفواه المبريِّة من الألم تشكو الظالم.
ما هذه المونودراما المتهافتة؟ هل هذا ردٌّ على ما قيل إنه أخلى قصره، وأمكنة لجوئه اليومية، وفرَّ هارباً بحماية قافلة عسكرية روسية؟ لا معنى لهذه اللقطة المهزوزة سوى ذلك. كان بشار يعرف أن بعض كهوف وحوشه سوف يُضرب. بعضها فقط، ولعلها كهوف الوحوش الأقل خطرا. وقد أخلاها بمعونة حاميه بوتين. فلا مكان لبوتين، ولا لإيران، من دون دمية الأسد. هذه الدمية ضروريةٌ، فمن دونها لا وجود لهم في سورية. من سيفتح أبواب سورية لبوتين وإيران غير الأسد، خصوصا بعدما فظَّعوا بالسوريين؟ هذه الدمية ضروريةٌ، ولا يجب أن يمسَّها سوء.. حتى الآن على الأقل.
كلنا نعرف أن هذه مسرحية سخيفةٌ ولازمة، بعدما نفَّذ ترامب شيئاً من وعيده لحفظ ماء الوجه ليس إلا. ضروريٌّ أن يرى مناصرو بشار، شاربو الدم مثله، عنوان الرئيس، وليس الرئيس بالفعل. هذا العنوان/ هذه الدمية يعملان على تماسك ما تبقى من آلة قتله، ومن سيكونون يتامى بعده. شيء نفسي يعني، لا أكثر من ذلك. فلا قرار للدمية.
القرار في الكرملين الذي تلقى، هو أيضاً، صفعةً خفيفةً على الخد، أو "فركة أذن". فقد توعَّد الكرمين بالرد على أي ضربةٍ غربيةٍ. لكنه لن يرد. إنه أضعف من أن يرد. لقد ظن أنه أقوى اللاعبين. قد يكون كذلك، ولكن في حلبة من دون منافس أو متحَدٍ. إنه يصول ويجول في حلبةٍ فارغة. فأي لاعبٍ قوي هذا الذي لا يرمي أحدٌ القفاز في وجهه؟
أعود إلى مونودراما بشار، وهو يحمل حقيبته، ويتطوَّح يَمنةً ويَسرةً في بهوٍ واسع، مضاء جيداً بالكهرباء، يلمع بلاطُه كأنَّ قدماً لم تمر به منذ أمد طويل. أهذا مجلس الشعب، كما يقول تعليق المونودراما؟ هذا هو المجلس، ولكن أين الشعب؟ لا أثر هناك لشخصٍ آخر غير بشار المتطوِّح، ومخرج هذا الفصل المتهالك سخفاً وانعدام شعور. رئيسٌ يزاول عمله كالمعتاد! لَمَ لا.
ولكن أين ما يدلُّ على حقيقة هذا الفصل المسرحي الركيك؟ لا بدَّ أن لبشار لقطات ومونودرامات كثيرة في أرشيفه التلفزيوني تصلح لكل حالٍ ومقام. يذكّرني هذا بشاعر عربي دأب على كتابة قصائد رثاء لأشخاصٍ أحياء. ولما سئل لماذا يفعل هذا؟ فقال ما معناه: يموتون ولا يكون لدينا وقت لرثائهم!
وهذا هو حال بشار. لقطات ومونودرامات لكل حال: في الصلاة، في زيارة قواته؟ في شارع يمشي، وممكن أيضاً في مقهى خالٍ من الرواد.
الدمية ينبغي أن تظهر. تتحرّك. وليس مهماً مَنْ يحرّكها مِنْ وراء ستار.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً
ما هو الحبّ؟
لا بدَّ من المقالح