بينما يواجه العالم زيادة في الصراعات الدولية، أصبحت أهمية الجغرافيا السياسية أكثر وضوحًا مع توالي الأحداث، ويعد الموقع الجيوسياسي مصدرًا حاسمًا للقوة لجميع الجهات الفاعلة، بغض النظر عن قوتها الفعلية.
ورأى تحليل لصحيفة "ديلي صباح" التركية، - ترجمة "يمن شباب نت" - أن هذا "ينطبق هذا على اليمن والبحر الأحمر، اللتين برزتا كواحدة من أبرز المناطق في العالم، تاريخيًا كان البحر الأحمر طريقًا تجاريًا مهمًا، حيث يربط القارة الأفريقية على شواطئها الغربية والشرق الأوسط على شواطئها الشرقية. إنه بوابة إلى الطرف الجنوبي لأفريقيا، مما يجعله منطقة حيوية للتجارة البحرية".
أدى افتتاح قناة السويس في عهد الإمبراطورية العثمانية إلى زيادة أهمية هذه المنطقة حيث أدى إلى تقصير المسافات وانخفاض التكاليف، وقد حظيت المحاولات التي قام بها الحوثيون في البحر الأحمر لتعطيل التجارة باهتمام كبير، لكن لا تعتبرها جميع الدول تهديداً، والحوثيون ينظرون إلى الصين وروسيا على أنهما جهات فاعلة قوية وصديقة.
الصراع من أجل الممرات والجغرافيا السياسية
فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية، فإن القضية الأكثر أهمية التي تتبادر إلى الذهن هي النقل في القطاع الاقتصادي للدول. فمع بداية الصراع الروسي الأوكراني، كان هناك بحث دولي متزايد عن طرق نقل بديلة للسلع التجارية، وخاصة موارد الطاقة، التي كانت روسيا تحتكرها في السابق.
وكانت إحدى أدوات العقوبات الأكثر شمولاً التي استخدمها الغرب فيما يتعلق بدعمه لأوكرانيا هي البحث عن هذا الطريق، وقد أصبح هذا الاتجاه أساسيا في توسيع القدرة الكهربية للدولة وتشجيع التنمية والتقدم والتمكين.
وتشن الجهات الفاعلة الدولية الآن حربًا من خلال هذه الشبكات، وكما رأينا، وخاصة في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت أداة قوية للسيطرة على السياسة الخارجية والهيمنة عليها.
واليوم أصبحت "حروب الممرات أو الطرق" هذه، النقاط الساخنة الرئيسية في المنطقة الممتدة من الشرق الأوسط إلى أوروبا ومن الهند إلى أوكرانيا. وفي هذا الصدد، توفر الجهات الفاعلة التي تتمتع بالسيطرة الجيوسياسية على طرق العبور مزايا كبيرة من حيث القوة الوطنية، وهذا النهج يتوافق مع المنظور الواقعي.
علاوة على ذلك، فقد لوحظت هذه المشكلة أيضًا في سباق صيف 2023 لمجموعة العشرين؛ حيث حضر الرئيس الأميركي بايدن القمة وأعلن عن ممر اقتصادي "تاريخي" يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو ما يعتقد البعض أنه خطوة ضد مبادرة الطريق والحزام الصينية.
ويسهل الممر نقل موارد الطاقة إلى أوروبا، وقد وقعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي مذكرات تفاهم لإعداد "خطة عمل". ومع ذلك، أدى الافتقار إلى الالتزام المالي إلى خلق تحدي جيوسياسي جديد في مجموعة العشرين.
روسيا والبحر الأحمر
يواجه البحر الأحمر هجمات تستهدف الطاقة والنقل البحري العالمي، حيث كثفت جماعة الحوثي شبه العسكرية هجماتها على السفن التجارية ذات الأصل الإسرائيلي منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني. وتتركز الهجمات في القرن الأفريقي ومضيق باب المندب في المنطقة الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية.
وتعتبر المنطقة حيوية لحركة المرور التجارية ونقل النفط، حيث ينقل خط أنابيب سوميد النفط الخام إلى الشمال عبر مصر، بسعة 2.5 مليون برميل يوميًا. ويُعرف طريق البحر الأحمر أيضًا بأنه رابط شحن حيوي بين أوروبا وآسيا، حيث يحمل ما يقرب من 15% من حركة الملاحة البحرية في العالم.
والبديل هو الالتفاف حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، الأمر الذي من شأنه أن يضيف حوالي 10 أيام إلى رحلة سفينة حاويات نموذجية، مما يزيد التكاليف ويسبب تأخيرات للعملاء. تتمتع السفن التي يمكنها الاستمرار في استخدام قناة السويس بميزة تنافسية على نظيراتها.
منذ فبراير 2022، تسعى روسيا جاهدة إلى إنشاء بديل للغرب على الساحة الدولية، ويشكل تركيزها على أفريقيا جزءا محوريا من هذه الاستراتيجية. وبالإضافة إلى السعي إلى إقامة شراكات جديدة لمواجهة سياسة التطويق الذاتي التي ينتهجها الغرب ومنظمة حلف شمال الأطلسي في المجال الأمني، هناك خطاب متزايد حول مساعي الشراكة والتعاون الإقليمي والعالمي.
لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية انسحاب القوى الغربية من البلدان الأفريقية، وخاصة في سياق الديناميكيات المتغيرة بين أفريقيا وروسيا، ومع تراجع الهيمنة الغربية في أفريقيا، فإن النفوذ الروسي آخذ في الصعود.
ومن ثم، فإن اليمن والبحر الأحمر لهما أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لروسيا. إذ لدى روسيا سياستان حاسمتان في هذه المنطقة. أولاً، تعمل روسيا على تعزيز علاقات أعمق مع اليمن ضد الغرب، وهو ما يفيد الاقتصاد الروسي. ثانياً، لدى روسيا حلفاء من الحوثيين في اليمن. ومع الدعم المحتمل من روسيا، فإن القوة الاقتصادية للغرب سوف تضعف بشكل غير مباشر.
ومن الضروري الأخذ في الاعتبار أن روسيا لا تنخرط في علاقات أعمق مع اليمن أو تطورها في الوقت الحالي، ويختلف دور روسيا في الصراع اليمني بشكل كبير عن دورها في سوريا وليبيا. وعلى الرغم من أن روسيا لم تشارك عسكريًا في الصراع اليمني، إلا أنها ليست خارج هذا المزيج تمامًا.
ومن ناحية أخرى، تعمل روسيا واليمن على تنمية علاقة أعمق. وفي فبراير 2024، التقى رئيس مجلس الدوما برئيس الوزراء اليمني لمناقشة التعاون والأمن الإقليمي. وعلى الرغم من التحديات، زادت التجارة الثنائية بنسبة 90%، ومن المتوقع أن تعزز الزيارة العلاقات بين البلدين.
وهذا بمثابة مؤشر إيجابي على إمكانية استمرار النمو والنجاح في العلاقة بين البلدين، حتى في ظل التطورات الصعبة. وفي يناير/كانون الثاني، أثارت الغارات الجوية التي شنتها القوات البريطانية والأمريكية على أهداف للحوثيين مخاوف أولية بشأن إطالة أمد الصراع، حيث أعربت روسيا عن انتقاداتها العلنية لهذه التصرفات. وفي فبراير/شباط، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع أحمد عوض بن مبارك، رئيس وزراء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في موسكو.
وبالإضافة إلى روسيا، تتمتع الصين أيضًا بنفوذ مهم في المنطقة. وأكبر مؤشر على ذلك هو سياسة عدم الاعتداء التي يتبعها الحوثيون تجاه السفن الروسية والصينية. وبينما كانت السفن الأمريكية والإسرائيلية تتعرض للهجوم في المنطقة، أعلن الحوثيون أنهم لن يهاجموا السفن الروسية والصينية وأن تحركات هذه السفن في البحر الأحمر ليست مهددة.
تعكس الهجمات في المنطقة صراعات السلطة والمصالح الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. ونتيجة لذلك، فإن ما يهم أكثر في سياق حروب الممرات هو التأثير والدعم الذي يمكن خلقه في المنطقة بدلاً من الوجود المادي الفعلي.
إن انعكاس السياسات التي تتبعها إسرائيل في غزة بدعم أميركي هو أن الغرب ضرب الأمن التجاري في البحر الأحمر، حيث تخلق روسيا مناطق ذات ميزة جيوسياسية لنفسها في ظل العقوبات الغربية، والنتيجة هي تحقيق مكاسب اقتصادية. ومن ناحية أخرى، تواجه الولايات المتحدة مخاطر وصراعات جيوسياسية هائلة، خاصة في البحر الأحمر.
وعلى الرغم من أنه يبدو كمثال صغير، إلا أن عواقبه سوف تكون محسوسة بشكل أكثر وضوحا على الساحة الدولية، حيث تستمر حروب الممرات، مع ما لها من مزايا وعيوب بالنسبة لجميع الجهات الفاعلة على المدى الطويل.
أخبار ذات صلة
السبت, 25 مايو, 2024
مع غياب المكاسب الإستراتيجية.. هل تتحول عمليات البحر الأحمر ضد الحوثيين إلى مهمة طويلة المدى؟
الجمعة, 17 مايو, 2024
هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.. كيف كشفت تآكل القيادة الأمريكية بالمنطقة؟
الخميس, 09 مايو, 2024
اليمن يمر بنقطة تحوّل والأمر معقد.. كيف فشلت سياسة واشنطن وصعدت حرب البحر الأحمر؟