قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرجل أعمال تأثرت أعماله بالمقاطعة السعودية غير الرسمية للمنتجات التركية، "إنهم يتوقعونني في فبراير. لقد قطعوا وعدًا وسأقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في فبراير ". تعد هذه الزيارة إلى المملكة العربية السعودية هي الأولى منذ سبع سنوات - وآخرها في عام 2015.
 
بفضل اتفاقية العلا لمجلس التعاون الخليجي في يناير 2021، هناك الآن مجال للتفاؤل يتجلى في التحركات البناءة من قبل القادة الأتراك والعرب تجاه عملية تطبيع أوسع. في مناسبات عديدة وخلال زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان إلى تركيا الشهر الماضي، أشار الرئيس أردوغان إلى استعداد تركيا لإصلاح العلاقات مع مصر ودول الخليج.
 
وقال الرئيس أردوغان  للصحفيين  لدى عودته من  أبو ظبي : "نحن نواصل حوارنا الإيجابي مع السعودية. نريد أن نواصل اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة. نريد تطوير العملية في اتجاه إيجابي ". من المتوقع أن يستغرق الأمر من بضعة أسابيع إلى شهر أو شهرين لمعالجة الموضوعات التي لم يتم الكشف عنها.
 
على الرغم من حقيقة أن التوقعات أهم من التوقيت ، فقد يكون من الضروري إنشاء أساس مناسب واتخاذ خطوات فعلية قبل الزيارة. ربما يكون لدى المملكة العربية السعودية تحفظات وشروط أكثر من الإمارات العربية المتحدة، أو أنها تتصرف وفقًا لنهج سياستها الخارجية، "التأخير أفضل من التسرع"، لتقييم تداعيات ما يفعله جيرانها.
 
الآن أو لاحقًا، قد يؤدي استئناف السياسات الواقعية والبراغماتية لتركيا والمملكة العربية السعودية إلى تداعيات إقليمية أوسع. في المقام الأول، سيؤدي ذوبان الجليد في العلاقات الجليدية بين العملاقين الإقليميين إلى تصحيح الانقسامات داخل دول مجلس التعاون الخليجي وداخل الكتلة السنية التي استغلتها إيران لاستعراض عضلاتها في المنطقة.
 
ماذا تتوقع تركيا؟

بعد عقد من العلاقات المتوترة بين تركيا والمملكة العربية السعودية، يقترح الخبراء إعادة بناء العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المقطوعة. تعتقد بيتول دوغان أكاش، الخبيرة الخليجية، أن "سببين يجعلان رحلة أردوغان المخطط لها إلى المملكة العربية السعودية مهمة للغاية لعملية المصالحة. الأول، كما هو متوقع، زاوية اقتصادية [والثاني] تحالفات دفاعية ". في غضون ذلك، قد يكون من الممكن معالجة القضايا السياسية للتطبيع في سياق أوسع ما لم تتعرض أنقرة لظروف غير مواتية.
 
سياسياً، قد يؤدي تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى تعزيز القدرة السياسية لتركيا التي شهدت تراجعاً في الشرق الأوسط منذ الثورات العربية. التحالف السياسي السعودي التركي لديه القدرة على إعطاء أنقرة وزنًا إقليميًا كبيرًا في تسوية ثلاث ملفات ساخنة: سوريا وشرق البحر المتوسط ​​ومصر.
 
اقتصاديًا، ستجني تركيا فوائد الحوافز الاقتصادية السعودية لمواجهة التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية من خلال تخفيف المقاطعة غير الرسمية للواردات من تركيا وترتيب صفقات مقايضة بين البنوك المركزية، كما فعلت مؤخرًا مع قطر والإمارات . أيضًا، بعد التسوية، قد يُسمح لشركات البناء التركية بالاستثمار في مشاريع تطوير رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
 
مع وضع التوقعات الأمنية والدفاعية في الاعتبار، سيسافر الرئيس أردوغان إلى الرياض لاستعادة العلاقات مع تقديم تركيا كقوة طائرات بدون طيار تغري الرياض دبلوماسياً وتجلب الأموال اقتصاديًا إلى تركيا، التي تعاني حاليًا من مشاكل مالية. تدرك أنقرة بالفعل احتياجات الرياض الدفاعية.
 
سعت الرياض إلى الحصول على طائرات بدون طيار تركية في عدة مناسبات لأنها غارقة في حملة عسكرية استمرت سبع سنوات في اليمن، مما أدى إلى استنزاف قدر هائل من مخزونها العسكري، ومواجهة قيود صفقات الأسلحة الأمريكية، لا سيما في ظل إدارة بايدن.علاوة على ذلك، قال دوغان أكاش لـ Politics Today: "يمكن إدراج التدريب العسكري للقوات السعودية في تركيا والتدريبات العسكرية المشتركة في قائمة التعاون الأمني".
 
ماذا تتوقع السعودية؟
 
بشكل عام، يمكن للعلاقات العربية التركية الأفضل أن تحفز تطوير خطة استقرار إقليمية للتعامل مع الأزمات في اليمن وليبيا وسوريا، واتخاذ تدابير لردع نفوذ إيران؛ والمواقف المتقاربة للرد على النظام العالمي المتغير في ظل صعود الصين.
 
بصرف النظر عن نية المملكة العربية السعودية لإلقاء الحجاب على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، والتي أدت إلى توتر العلاقات الثنائية بشدة ، فإن النطاق الواسع للتوقعات السعودية من زيارة الرئيس أردوغان يشمل التعاون السياسي والأمني.
 
يسعى كل من تركيا والمملكة العربية السعودية، سياسيًا، إلى تعبئة دول المنطقة لقضاياها الإقليمية. بغض النظر عن التنافس على القيادة الإقليمية، فإن تركيا ستعطي وزناً، -وإن كان رمزياً- للسعودية في معركتها التي لا تنتهي مع إيران.
 
بالنسبة للسعودية، فإن توقيت التطبيع مع تركيا مثالي لتشكيل كتلة إقليمية لممارسة تأثير معين على المحادثات النووية الجارية مع إيران في فيينا. وعلى خلفية أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، يبدو أن السعوديين والإماراتيين يعتقدون أن تعزيز العلاقات مع تركيا قد يجذب الأخيرة جزئيًا بعيدًا عن علاقاتها الفريدة مع قطر.
 
فيما يتعلق بالتوقعات الأمنية، تعتقد السعودية أن بإمكانها إعادة دعم تركيا لحملتها العسكرية في اليمن في ظل تصعيد الحوثي الأخير الذي تضمن قصف أبو ظبي بالصواريخ والطائرات المسيرة.
 
هناك نوعان محتملان من الدعم التركي: المعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، والتي ستكون، وفقًا لأكاش، "نوعًا من التعاون ولكنها إشكالية فيما يتعلق بملف تركيا الدولي، وحشد تركيا حول الحملة السعودية الإماراتية لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية".
 
على المدى الطويل، يكون التعاون في صناعة الدفاع في مصلحة كلا الطرفين. في 16 آذار (مارس) 2021 ، دفعت عيون السعودية على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التركية الرئيس أردوغان إلى التصريح بأن "هناك طلب سعودي على طائرات بدون طيار تركية مسلحة".
 
انضمت تركيا إلى معرض القوات المسلحة السعودية (أفد) في عام 2018 كمؤشر مبكر على ذلك. في عام 2017، وقعت الرياض صفقة مع شركة Vestel التركية الخاصة، والتي ترخص للسعودية بالإنتاج المشترك لطائرات Karayel-SU بدون طيار. يُزعم أن هذه الطائرات بدون طيار متعددة المهام تم نشرها في اليمن، حيث زعم الحوثيون أنهم أسقطوا واحدة في محافظة الجوف اليمنية في عام 2021.
 
في الآونة الأخيرة، تم اقتراح أن علاقات التسلح قد تساعد في تخفيف الخلافات السياسية بين تركيا والمملكة العربية السعودية. قد يشجع نجاح تركيا كنموذج دفاع مستقل صاعد المملكة العربية السعودية على فعل الشيء نفسه، إما من خلال التعاون أو اتباع خطى تركيا. بالنسبة لكليهما، تكمن القضية في إيجاد وجهات بديلة لصادرات وواردات الأسلحة.
 
 قد تتطلع المملكة العربية السعودية إلى تركيا ليس فقط من أجل الطائرات بدون طيار ولكن أيضًا من أجل "تقنيات الصواريخ والرادار والحرب الإلكترونية وأنظمة الدفاع الجوي"، كما يقول فوركان هاليت يولكو في مقال نُشر في بوليتيكس توداي.
 
كما يتوقع المصريون الانضمام إلى قطار التطبيع العربي التركي قريبًا. ومع ذلك ، فهم يدركون أن معالجة العلاقات المتوترة مع تركيا ستستغرق وقتًا وجهدًا. يمكن للتطبيع أن يأخذ شكل جسر الخلافات بين قادة البلدين ، ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك.
 
من الناحية الإيديولوجية، تسبب الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد حكومة الإخوان المسلمين عام 2013 في مواجهة سياسية طويلة بين تركيا ومصر. نتيجة لذلك، واصلت تركيا إدانة حكم السيسي، واستضافة مسؤولي الإخوان المسلمين واللاجئين السياسيين على الأراضي التركية، ورفض تسليم المسؤولين المطلوبين من الإخوان المسلمين إلى مصر.
 
ومن الناحية السياسية، لعبت مصر وتركيا ألعاب قوة في مناطق نفوذ كل منهما. صمم الرئيس السيسي منتدى غاز شرق المتوسط ​​بقيادة مصر، والذي يضم ستة أعضاء إقليميين لكنه استبعد تركيا. مثال آخر هو صفقة خط أنابيب الغاز الثلاثية بين مصر وخصم تركيا اليونان وجمهورية جنوب قبرص لنقل الغاز الطبيعي من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا عبر جنوب قبرص، وهو ما اعتبرته تركيا مشروعًا سياسيًا. على الجبهة الأفريقية، بالإضافة إلى الموقف التركي في ليبيا، أثارت العلاقات الودية بين تركيا وإثيوبيا خصم مصر غضب القاهرة.
 
بعد عداء دام ثماني سنوات، ظل الباب الدبلوماسي مفتوحًا لكلا الخصمين لوضع جولات من المحادثات الاستكشافية التي بدأت في مايو ثم في سبتمبر 2021. قد تسهل زيارة الرئيس أردوغان إلى الرياض المفاوضات بين البلدين، مما يعزز المحادثات الاستكشافية السابقة. إن إحياء العلاقات التركية السعودية يمكن أن يجعل الرياض وسيطًا محترمًا لطرف ثالث فيما يتعلق بالإخوان المسلمين وقضايا شرق البحر المتوسط ​​قبل لقاء القادة المصريين والأتراك.
 
من خلال الاستفادة من الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية، تبرز القاهرة كقوة صاعدة على جبهات إستراتيجية متعددة - ليبيا وشرق المتوسط ​​والساحل وشرق إفريقيا والعراق وإسرائيل / فلسطين. وتدرك أنقرة أن هناك القاهرة الجديدة بموقف استراتيجي جديد في المنطقة، كما يقول محمد سليمان، الباحث في معهد الشرق الأوسط، في مقابلة لـ Politics Today، مشيرًا إلى أن هناك الكثير لتكسبه تركيا في هذه الحالة. للتعاون السياسي.
 
ماذا عن إيران وإسرائيل؟
 
تحظى إسرائيل بتطبيع سياسي مقبول بين تركيا والسعودية والإمارات، معتقدةً أن ذلك لن يضر باتفاقات إبراهيم السيئة السمعة، التي مكّنت إسرائيل من إقامة علاقات ودية مع بعض الدول العربية بعد عقود من العداء. بالنسبة لتل أبيب، يعني التقارب السياسي بين المملكة العربية السعودية وتركيا خطوة كبيرة إلى الأمام نحو كتلة أوسع مناهضة لإيران.
 
يتفهم الإسرائيليون رغبة تركيا في استعادة العلاقات في آن واحد مع العرب ومع أنفسهم لسببين: أولاً، صرح أردوغان أنه سيعيد ترتيب العلاقات مع إسرائيل كجزء من حزمة المصالحة الإقليمية الخاصة به. ثانيًا، لا يمكن استبعاد إسرائيل، خاصة الآن بعد أن أقامت بعض دول الخليج العربي ومصر علاقات دبلوماسية معها. كما هو متوقع، فإن تطبيع أنقرة للعلاقات مع إسرائيل قد يوقف دعم تركيا لحماس والخطاب المعادي لإسرائيل.
 
تنظر إيران إلى مبادرة التطبيع التركية العربية الإسرائيلية الجارية واتفاقات إبراهيم على أنها تحالفات إقليمية ضدها. وبالنظر إلى الانقسامات بين هذه الدول، فقد استفادت إيران بشكل كبير في تحقيق مكاسب إقليمية، من سوريا إلى اليمن. وبالتالي، فإن التقارب بين الأربعة الكبار، أي تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، قد يعزل إيران عندما هددت إسرائيل مرارًا وتكرارًا بضربة عسكرية.
 
أخيرًا، قد يعتقد الإيرانيون أنه إذا كان التطبيع أمرًا لا مفر منه، فيجب أن تشارك إيران فيه أيضًا، على الأقل مع دول الخليج العربي، مدركين أنهم يحاولون بناء علاقات موازية مع إيران وإسرائيل مع تجنب الانجرار إلى الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران.
 
المصدر: Politics Today