بعد مضي نحو شهر على تهدئة سياسية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، عادت لغة التصعيد من جديد، ما يهدد مسار اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في 5 نوفمبر 2019، بإعادته إلى مربعه الأول، قبل تشكيل حكومة الإئتلاف الوطني بالمناصفة بين محافظات الشمال والجنوب.
ومؤخرًا، دشن المجلس الانتقالي مرحلة جديدة، على ما يبدو، من التصعيد السياسي ضد الرئاسة اليمنية، من خلال تكريس خطابه المطالب بالانفصال، مع تحركات خارجية وداخلية، أظهرته بمظهره السابق قبل الاتفاق الأخير: كيانًا انفصاليًا متمردًا على الحكومة الشرعية، رغم أنه أصبح جزءًا منها بموجب أتفاق الرياض.
زيارة روسيا
في 30 يناير/ كانون الثاني المنصرم، توجه وفد من المجلس الانتقالي من دولة الإمارات إلى العاصمة الروسية (موسكو) في زيارة عمل مفاجئة، التقى خلالها- في اليوم التالي- الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، ومسؤولين روس آخرين.
وقد أثارت هذه الزيارة العلنية، التي تعد الثانية لقيادة الانتقالي منذ تأسيسه بدعم إماراتي عام 2017، عدد من التساؤلات، كونها جاءت هذه المرة بعد شهر واحد تقريبا من تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة، مناصفة بين مناطق شمال وجنوب اليمن، أوآخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد استعادة الرياض زمام مبادرة التهدئة والعودة إلى تنفيذ "اتفاق الرياض"، بعد أكثر من سنة على توقيعه.
غير أن تلك التهدئة لم تستمر طويلا، فقد جاءت زيارة الانتقالي إلى موسكو، أيضا، عقب حدوث توتر في العلاقة بينه وبين الرئاسة اليمنية، على خلفية قرارات أصدرها الرئيس اليمني، المعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، منتصف يناير الماضي، بتعيين هيئة رئاسية جديدة لمجلس الشورى اليمني ونائبًا عامًا للبلاد. الأمر الذي أثار حفيظة المجلس الإنتقالي الذي أعلن رفضه تلك القرارات الرئاسية، وهدد بالتصعيد.
ويعتبر المجلس الانتقالي قرارات الرئيس هادي تلك، بأنها "أحادية"، ولم يتم التشاور المسبق معه بشأنها. فيما يحاجج مؤيدوا الرئيس أن اتفاق الرياض نص فقط على التشاور والتنيسق فيما يتعلق بالتشكيل الحكومي وتعيين محافظي ومديري أمن المحافظات الجنوبية، ولم يشر إلى ضرورة التشاور المسبق في كل قرار يصدره الرئيس، لأن ذلك سيعني نزع صلاحياته، وجعله تحت رحمة الانتقالي، وداعميه الخارجيين.
استقواء بالروس
أثناء زيارة وفد الانتقالي موسكو، رفع رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي، سقف خطابه المطالب باستعادة دولة الجنوب، وإعلان اعتزامه إعادة إنشاء ما يسمى بالمجلس التشريعي، الذي كان قائما في عدن قبل الوحدة اليمنية في عام 1990.
في المقابل، بدى وكأن الجانب الروسي ملتزما بدعم اتفاق الرياض، "مع التركيز على أبرز المهام المنوطة بالحكومة الائتلافية اليمنية، التي دخل في تشكيلتها للمرة الأولى ممثلو المجلس الانتقالي الجنوبي"، بحسب بيان الخارجية الروسية الصادر عن اللقاء مع قيادة الانتقالي.
كما أكدت الخارجية الروسية، في بيانها، على أن "الحوار الوطني الشامل الذي يراعي المصالح والقضايا المشروعة لجميع القوى السياسية اليمنية الرئيسة هو وحده كفيل بضمان الحل الدائم للعديد من المشاكل التي تواجهها الجمهورية اليمنية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بتنظيم هياكلها الإقليمية والسياسية".
ويرى مراقبون بأن زيارة وفد الانتقالي إلى موسكو في هذا التوقيت، تأتي في إطار مساعي المجلس للاستقواء بالدور الروسي للضغط على الرئاسة اليمنية لإشراكه في أي عملية سياسية شاملة للأزمة في البلاد.
[للمزيد.. أطلع على: الانتقالي يغرد خارج السرب من موسكو.. استنجد الحوثيين للاعتراف بالجنوب ويطمح لعلاقة مع إسرائيل]
مكافأة سعودية - إماراتية
وتعليقا على تلك الزيارة، وما ورائها، يرى المحلل السياسي ياسين التميمي بأن "المجلس الانتقالي يقوم بالدور المرسوم له من قبل الإمارات والسعودية".
وأشار التميمي، في سياق تصريحه لـ"يمن شباب نت"، إلى أن التمرد الذي قام به الانتقالي في جنوب البلاد "لا يعبر عن وجهة نظر جنوبية، ولا يعكس إجماعًا جنوبيًا، بقدر ما يمثل مشروعا اماراتيا للإضرار باليمن، ومحاولة السطو المسلح على أراضيه" حسب وصفه.
وكان اتفاق الرياض ينص على أن يسبق تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، إجراء ترتيبات عسكرية وأمنية تتضمن خروج قوات المجلس الانتقالي وانسحابها من محافظة عدن، تليه عملية دمج القوات التابعة للانتقالي في إطار الجيش والأمن..
وبعد مضي قرابة عام على توقيع الاتفاق بين الحكومة والمجلس الانتقالي دون تنفيذ الشق العسكري والأمني، أضطرت الرياض، لاحقا (قبل نهاية العام الماضي)، إلى إجراء تعديلات على تراتبية تزمين التنفيذ، وجعلت تشكيل الحكومة سابقا على تنفيذ الشقيين العسكري والأمني، تحت وعود بتنفيذها لاحقا عقب إعلان تشكيل الحكومة الجديدة. لكن هذا لم يحدث حتى الأن.
لذلك، بالنسبة للتميمي، فإن اتفاق الرياض، كان "مكافأة سعودية إماراتية" للمجلس الانتقالي.. فمن الواضح- حسب قراءته- أن الانتقالي "لا يزال يمضي في الدرب الذي رسم له، والا لكانت الرياض قد أجبرته على تنفيذ الشق العسكري الذي يمنح الاتفاق المُوّقَّعْ في السعودية قيمة سياسية واستراتيجية، ولا يبقيه مجرد حصان طروادة لتمرير الانفصاليين الى داخل السلطة الشرعية".
انقلاب على الرياض
بدوره، يعتقد الصحفي كمال السلامي، أن زيارة وفد الانتقالي إلى روسيا "جاءت بناءً على المكاسب التي حققها المجلس من الشق السياسي لاتفاق الرياض".
واضاف لـ"يمن شباب نت"، أن الانتقالي "بعد أن أصبح جزء من الشرعية سياسيًا، صار يتحرك بأريحة، برغم محدودية النتائج التي حققها من زيارته الأخيرة لروسيا".
ووصف السلامي تصريحات رئيس المجلس "عيدروس الزُبيدي" التي أطلقها من روسيا وأكد فيها على حق فك الارتباط، بأنها "تعد انقلابا تاما على ما تم تنفيذه (حتى الأن) من اتفاق الرياض".
وأعتبر أن "اتفاق الرياض لا يمثل أي مكسب للشرعية، بل هو طعنة أخرى في جسد اليمن الواحد"، مضيفا "وعما قريب ستنجلي الأمور بشكل أوضح، ليتضح أنه لم يكن سوى خدمة جليلة للانتقالي الذي يطمح إلى استعادة الدولة الجنوبية على حساب اليمن".
تحولات.. ومصالح دولية
من جانبه، يرى الخبير في الشأن اليمني الدكتور عبد الباقي شمسان، زيارة المجلس الانتقالي إلى روسيا، أنها تأتي ضمن "التحولات في السياسة الأمريكية التي ستؤدي إلى إيقاف الحرب، واتخاذ كثير من الإجراءات، وهناك استباق لهذا الموقف".
وأعتبر، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن تصريح عيدروس الزُبيدي في روسيا؛ عن استعداده للتطبيع مع إسرائيل، بأنه "رسالة لأمريكا، وللّوبي اليهودي، بمعنى أننا إذا ما قدمتم لنا الدعم لفك الإرتباط، سنقيم علاقات مع اسرائيل".
وأضاف: "هناك استراتيجيات لانفصال الجنوب تقودها الامارات بشكل واضح"، وأن ما يحدث عبارة "خطوات تكتيكية في إطار هذه الاستراتيجية"، معتبرا تحركات المجلس الانتقالي إلى روسيا "رسالة واضحة أنهم سائرون باتجاه فك الارتباط.. ثم من روسيا لأنها عضو مجلس الأمن".
وربط شمسان بين مكاسب الإنفصاليين الجنوبيين وبين مكاسب روسيا، بإعتبارها كانت متواجدة في المناطق الجنوبية، مرجحا أنهم "ربما سيعطونها جزء من الكعكة، حتى إذا ما كان هنالك تصويت، أو توافقات دولية على اليمن، يتم بالتوافق تقسيم اليمن إلى كنفدرالية مؤقتة، ومن ثم إلى انفصال".
ويخلص شمسان إلى أن اتفاق الرياض "منح المجلس الانتقالي اعترافًا بشرعيته كطرف من أطراف النزاع، مثله مثل الحوثي، وبالتالي هذا الاتفاق ليس لحل المشكلة، ولا لإيقاف الانفصال، بل لتأكيده..".
وأعتبر اعتراض المجلس على قرارات الرئاسة "تكتيكات، لعرقلة عمل الحكومة"، منوهًا إلى أن تلك القرارات "سيادية، وهم (أي المجلس الانتقالي) طرف من مكونات الحكومة، وليسو شركاء للسلطة".
المزيد من التصعيد
وفي سياق التصعيد السياسي، لوّحَ المجلس الانتقالي، عبر أحد متحدثيه الرسميين، في تصريحات لوكالة "سبوتنك" الروسية"، بمنع البرلمان اليمني من عقد جلساته في العاصمة المؤقتة عدن. في إشارة واضحة لعرقلة إجراءات منح الثقة للحكومة الجديدة والموافقة على برنامجها العام من قبل مجلس النواب.
[للمزيد.. أقرأ: المجلس الانتقالي يُلّوح بمنع عقد جلسات مجلس النواب في العاصمة المؤقتة عدن]
ولاحقا، على تلك الزيارة (لموسكو)، أتخذت التحركات ضد الحكومة اليمنية، في عدن، منحا تصعيديا جديدا. حيث أقدمت مجاميع مسلحة تابعة للمقاومة الجنوبية، الأحد الماضي، على اقتحام عدد من الوزارات ومرافق حكومية في العاصمة المؤقتة عدن، وأوقفتها عن العمل.
[أقرأ: عدن.. مجاميع مسلحة تابعة للانتقالي تقتحم وزارات ومرافق حكومية]
وتداول ناشطون فيديو مسجل لقيادي في الحزام الأمني المدعوم من الإمارات، أثناء اقتحام إحدى الوزارات في عدن، هدد فيه القيادي في الانتقالي، بطرد الحكومة اليمنية من مدينة عدن، كما دعا المواطنين للاستعداد للخروج المسلح واستعادة ما اسماه "دولة الجنوب".
وقال رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك، يوم الاثنين الماضي، إن اقتحام مباني الوزارات في عدن محاولة بائسة لإفشال ما تحقق من نجاحات في اتفاق الرياض واستكمال مسار تطبيق الشق الأمني والعسكري.
[للمزيد.. أنظر: رئيس الوزراء: اقتحام الوزارات في عدن "محاولة بائسة" لإفشال اتفاق الرياض]
غير أن مراقبين، ينظرون إلى تلك التطورات والتحركات التصعيدية على أنها تهدد بإعادة "إتفاق الرياض" إلى مربع ما قبل التهدئة الأخيرة وإعلان تشكيل حكومة المناصفة، خصوصا وأن عملية تنفيذ الشقيين العسكري والأمني ما تزال عالقة، وتواجه عراقيل من قبل المجلس الإنتقالي المسيطر على عدن، حتى الأن.
أخبار ذات صلة
الإثنين, 08 فبراير, 2021
رئيس الوزراء: اقتحام الوزارات في عدن "محاولة بائسة" لإفشال اتفاق الرياض
الأحد, 07 فبراير, 2021
عدن.. مجاميع مسلحة تابعة للانتقالي تقتحم وزارات ومرافق حكومية
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
الانتقالي يغرد خارج السرب من موسكو.. استنجد الحوثيين للاعتراف بالجنوب ويطمح لعلاقة مع إسرائيل