ازدهرت تجارة السوق السوداء التي يديرها الحوثيون في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم وتدر عليهم أرباحا طائلة إلى درجة غير مسبوقة تعكس ما يُعرف بـ" اقتصاد الحرب" الذي يشمل كيانات اقتصادية موازية تعد أهم مورد مالي بالنسبة للحوثيين المدعومين من إيران والذي انقلبوا على السلطة الشرعية عبر التحالف مع الرئيس المخلوع علي صالح.
وتشمل هذه السوق – على سبيل المثال لا الحصر – تجارة على الوقود بيعا واستيرادا والغاز المنزلي ومحلات الصرافة غير المرخصة وهذه الأنواع الثلاثة من التجارة هي ما يركز عليها هذا التقرير في السطور التالية.
تجارة الوقود
يدير الحوثيون تجارة مزدهرة تتمثل في السوق السوداء للوقود، والتي تتم بإشرافهم وتدر عليهم أرباحاً طائلة وتعتبر من مصادرهم المالية التي يغطون جزءا منها تكاليف الحرب.
وتوسعت السوق بعد قرار ما يسمى" اللجنة الثورية" التابعة للحوثيين - وهي أعلى سلطة علنية تدير الحكم بمناطق سيطرتهم – الصادر في 28 يوليو 2015 والذي قضى بتعويم أسعار المشقات النفطية برفع الدعم عنها وبيعها بالسوق المحليّة وفقا للسعر العالمي هبوطا وصعودا.
وأطلق هذا القرار الضوء الأخضر لشركات تجارية تابعة لهم باستيراد النفط وبيعه إلى شركة النفط الحكومية، التي هي المعنية بهذا النشاط ما أدى إلى تكبيدها خسائر مالية كبيرة وتسبب في أزمة اقتصادية أثرت سلباً على المواطن اليمني.
واستنادا إلى تقارير جهات حكومية خاضعة لسيطرتهم، يستحوذ 21 شركة وتاجر (جميعها تابعة أو موالين لهم) على عملية استيراد المشتقات النفطية وبيعها في السوق السوداء، بأسعار مضاعفة في مناطقهم وباتت هي المتحكمة بالأسعار.
وقدر فريق خبراء لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة والمعنية باليمن في تقرير حديث له، الأموال التي جناها الحوثيون من السوق السوداء، بأكثر من 1.14 مليار دولار، واعتبرها أحد المصادر الرئيسية لإيراداتهم.
وتحولت العاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها منذ 21 سبتمبر 2014 ويسكنها أكثر من مليوني شخص إلى سوق سوداء كبيرة تعج شوارعها وحاراتها بناقلات وشاحنات نفط كبيرة وسيارات مكشوفة محملة ببراميل مليئة بالبنزين والديزل تبيع أنواعا مختلفة من المحروقات أمام الملأ بأسعار خيالية، دون حسيب أو رقيب.
وفي الوقت الذي تغلق محطات الوقود الرسمية وغيرها أبوابها في بعض الأوقات لانعدام المشتقات، تتوفر في السوق السوداء كميات كبيرة من المواد البترولية النفطية التي تباع بأسعار خيالية، إذ وصل سعر الغالون من البنزين سعة عشرين لترا مؤخرا إلى أكثر من عشرة آلاف ريال بينما السعر الرسمي هو ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال.
ولم يعد بيع الوقود كما كان في السابق (كميات قليلة وغالونات صغيرة وبطرق تقليدية)، بل تطور كثيرا إلى خزانات متوسطة الحجم وماكينات تعبئة كالتي توجد في محطات الوقود (محطات وقود متنقلة)، ما يؤكد أن من يقف ورائها هم الحوثيون.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا صورة لسيارة مخصصة بالأساس لنقل البضائع بأحد شوارع صنعاء وقد تحولت إلى محطة وقود متنقلة اسماها صاحبها بمحطة الأمل للبترول وهي ظاهرة غير مألوفة لكنها تعكس توسع وازدهار السوق السوداء من المحطات الثابتة للمتنقلة التي تجوب الشوارع.
وتزامن هذا مع قرار الحوثيين رفع أسعار المشتقات النفطية، في المناطق الخاضعة لسيطرتهم للمرة الثانية خلال أسبوع، حيث رفعوا سعر الصفيحة البترول(20 لترا) بـ8500 ريالا، والديزل 7 آلاف ريال، بحسب أنور العامري المتحدث باسم شركة النفط اليمنية، التي يسيطرون عليها.
تجارة الغاز المنزلي
يجني الحوثيون ملايين الريالات يوميا من بيع الغاز المنزلي عبر السوق السوداء التي يسيطرون عليها والتي انتشرت فيها المحطات المتنقلة بالأحياء كما في صنعاء بعدما منعوا شركة الغاز من احتكار توزيعه للمستهلكين عبر محطاتها الخاصة.
وتشهد صنعاء مثل غيرها من المحافظات التي يسيطرون عليها أزمة مفتعلة متكررة في مادة الغاز المنزلي وانعدامها في محلات البيع وتوفرها بالسوق السوداء بأسعار تتجاوز 6 ألف ريال وأحيانا أكثر من هذا المبلغ.
ويعتزمون تثبيت سعرها بمحطات البيع الرسمية والخاصة عند 4500ريال في جرعة سعرية مع بقاء الأسعار في السوق السوداء على حالها لزيادة الأرباح مع كل تصاعد.
ومن الجدير ذكره هنا أن الشركة اليمنية للغاز بمأرب تبيع الاسطوانة الواحدة بـ1200 ريال، وهو السعر الثابت الذي أكدت عليه في بيانها الأخير ردا على تصاعد الأسعار حيث نفت وجود زيادة وحذرت أي محطة تقوم برفع السعر بوقف تموينها بالغاز.
ووفق تقديرات، يبلغ معدل استهلاك السوق اليمنية من الغاز المنزلي حوالي 24 ألف برميل في اليوم الواحد، تستهلك صنعاء 80 ألف اسطوانة يوميا.
وإذا ما تم احتساب سعر بيع الاسطوانة الواحدة بـ5500 ريال خلال الفترة الماضية مقارنة بسعر شرائها من شركة صافر بـ1200 ريال، فإن إجمالي ما يكسبه الحوثيون هو 250 مليون ريال يوميا، مع العلم أن سعر بيعها يفوق ما ذكرناه ولكننا اعتمدنا هذا المبلغ كمؤشر فقط لتقدير إيراداتهم من هذه السلعة فقط.
وتشير إحصائية أجرتها الشركة اليمنية للغاز إلى وجود 647 محطة تعبئة للغاز غير مرخصة، في مديريات أمانة العاصمة وتحتل مديرية السبعين المرتبة الأولى في عدد المحطات بنحو 145 محطة. وتؤدي نسبة الربح الكبيرة التي يجنيها أصحاب المحطات إلى زيادة انتشارها.
المضاربة بالعملة
أنتجت الحرب فوضى في القطاع المصرفي، وظهرت عشرات من محال وشركات الصرافة غير المرخصة في مختلف المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية والانقلابيين، وكانت نتيجة ذلك تهاوي العملة الوطنية ضمن أسباب أخرى بالطبع.
ويمكن هنا أخذ مقارنة بين صنعاء التي يسيطر عليها الانقلابيون وعدن التي تتخذ منها السلطة الشرعية مقرا لها بعد أن أعلنتها عاصمة مؤقتة لليمن، كمؤشر على انتشار هذه المحال وكيف تعامل كل طرف معها.
في عدن أعلنت الحكومة حربا بلا هوادة على المضاربين بالعملة واتخذت قرارات حاسمة لضبط السوق منها إغلاق كل المحلات غير المرخصة ونفذت النيابة العامة حملة تفتيش ميدانية وأغلقت عشرات المحلات المخالفة ولا تزال الحملة قائمة.
مع أن هذه المحال ازدهرت نتيجة فوضى الحرب وغياب أجهزة الدولة ولم تكن مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بتشجيع من الحكومة كما هو الحال مع سلطة الانقلابيين بصنعاء التي شجعت هذه الظاهرة وتشرف عليها ويرتبط أفرادها بها، وتطور الأمر إلى السماح بمحلات متنقلة فوق سيارات مخصصة بالأصل لنقل البضائع، وشوهدت قرب الأسواق المزدحمة بالناس وتداول ناشطون صورة تؤكد ذلك.
وأدت هذه الظاهرة من ضمن عوامل أخرى إلى تهاوي الريال اليمني أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الماضية حيث تراجع سعره أمام الدولار إلى 400 ريالا للدولار الواحد وإن انخفض قليلا لكنه لا يزال عند مستويات أكبر من قيمته التي حددها البنك المركزي عند تعويمه منتصف أغسطس الماضي وحدد سعر الصرف عند 370 ريالا مقابل الدولار.
وتشير إحصائية نشرتها صحيفة" العربي الجديد" على لسان رئيس مصرف يمني إلى وجود 1400 من محال الصرافة غير مرخصة في مختلف المحافظات ظهرت خلال الحرب، يعمل أصحابها مع تجار الوقود على سحب العملة الصعبة من السوق بكميات كبيرة مع انخفاض المعروض النقدي وهو ما يؤدي إلى تهاوي العملة الوطنية.
ومن البديهي القول إن كل من فتح محلا دفع أموالا للجهة التي تسيطر على مدينته مقابل السماح بمزاولة نشاطه غير القانوني لكن هذا الأمر لا يتوقف عند افتتاح المحل أو الشركة في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون وإنما يستمر دفع الأموال لهم دائما تحت مسميات كثيرة منها الضرائب ومنها مناسباتهم المختلفة ومنها الابتزاز بحجة الحماية وغيرها.
وبالنظر إلى ارتباط الحوثيين بتجارة السوق السوداء ومنها تجارة العملة يمكن افتراض أن العدد الكبير من محلات الصرافة غير المرخصة توجد بمناطقهم خاصة مع محاربة الحكومة الشرعية لهذه الظاهرة عمليا بمناطق سيطرتها.
وبناء على ذلك سيكون من المنطقي أن تتواجد هذه المحلات والشركات في صنعاء كونها عاصمة الدولة المحتلة والتي فيها ثقل سكاني يتجاوز المليونين على أقل تقدير وفيها نشاط تجاري كبير.
وبحسبة بسيطة ورياضية لو أن كل صراف من هؤلاء غير المرخصين طلب ألف دولار في اليوم الواحد سيبلغ الطلب مليونا و400 ألف دولار يوميا، أغلبها كما أشرنا بمناطق الحوثيين الذين يأخذون أموالا باستمرار من أصحابها بمناسبة وغير مناسبة.
ومن هنا يمكن تخيل وتوقع كم يجنون من تشجيع وإدارة هذه التجارة وللمساعدة أكثر متابعة علامات الثراء على قياداتهم بمن فيها الوسطى والمشرفين الميدانيين الذين أصبحوا المتحكمين بسوق العملة.
وفي ظل المضاربة الشديدة على النقد الأجنبي، مقابل انخفاض المعروض النقدي بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلاً عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف لتحقيق الاستقرار النقدي، ستكون عائدات الحوثيين أكبر لاسيما مع توقعات اقتصاديين بتهاوي الريال إلى 500 ريال للدولار الواحد إذا لم تكن هناك وديعة عاجلة.
أخبار ذات صلة
الإثنين, 13 نوفمبر, 2017
بالوثائق.. الحوثيون يفتعلون أزمة المشتقات بصنعاء لبيع الوقود المستورد بالسوق السوداء (تقرير خاص)
الأحد, 26 نوفمبر, 2017
أرباح هائلة للحوثيين من تجارة الغاز المنزلي بالسوق السوداء (تقرير خاص)
الجمعة, 20 أكتوبر, 2017
الريال اليمني في أسوأ حالاته.. أسباب الانهيار وحلول الإنقاذ (تقرير خاص)