وصلت رجفة الانفجار الأول..
أين كانت الضربة التي سابقت الفجر لتصل ضواحي صنعاء؟! "ريمة حميد"، أم "قصر الرئاسة" !!..
لم يلحق ذلك الانفجار آخر يؤازره ويشد من عضده وتلك هي المشكلة، اكتفاء السماء بصاروخ واحد يثير الريبة والتوجس. على الرغم من أنها توقفت عن زيارة صنعاء منذ فترة، هجرتها كما هجرها كل شيء عدى الحزن الذي غطى الأرض والسماء وغمر جلود سكانها!!..
ربما اشفقت تلك الصواريخ على الأطفال الرضع من الاستيقاظ المفجع، أما من فطم عليها فقد امتلك القدرة على تمييز أصواتها واعتيادها وإن باعدت بين زياراتها ..
لماذا نستيقظ في صنعاء؟! أو غيرها من مدن اليمن وقد أدركنا، متأخرا، بأن لا أحد معني بمعاناة سكانها، بقطع ارزاقها، أمراض ساكنيها، وتعليم ابنائها، ربما لو كنت مسؤولة عن الحروب لوزعت مع نيرانها حبوب منومة طويلة الأمد تخرجنا عن الوعي حتى يشبع منها تجار الدم. سيجادلني أحدهم ومعه كل الحق: "إن رقدنا في الحرب، فأين هي الدماء التي ستدفع أضحية لها؟"..
حين يفقد المواطن كل شيء: الحق في الحياة؛ الحق في أن يكون رب أسرة يذود عنها ويستطيع اطعامها وحمايتها؛ الحق في أن يبتسم وهو يفكر في مستقبل أبنائه؛ الحق في أن يفكر من الأساس.. عندما تفقد دموعه الملوحة في مذاقها يكون النوم في تلك الحال أسلم الطرق ليحتفظ بما تبقى له من عقل وايمان. النوم افضل الوسائل المتاحة لشخص لم يعد يخشى أي خسارات، وأصبح قلبه مجرد مضخة للدم وقد انتصر الوقت عليه، فقسوة الحرب لا تساعد أحد على التماسك ..
انبتني صديقة، بأني أصبحت كئيبة في الفترة الأخيرة. قد تكون محقة، فلم يعد هناك ما يضحك، أو يساعد على إطلاق الضحكات المزيفة، حتى السخرية من الأوجاع لم نعد قادرين عليها ؟! رفع الراية البيضاء للحزن أشجع أحياناً من مقاتلته، وقد أصبح في عيني كل يمني رواية لم تجد طريقها للانتصار على الأوراق، خاصة وأننا فقدنا أهم شيء كنا نملكه: الأمل.
لا أجيد فهم السياسة. وبعد الفوضى الفاقدة لعقلها، أمسيت أمقتها وأشك في كل من يزاولها، فلا ضوء يلوح في الأفق، على الرغم من الضعف الذي تراه في الانقلابيين حولك، في حالة لم تنلهم منذ بداية الحرب، ضعف واجههُ تجاهل مريب يجعلك تتساءل: هل كان التخلص من الانقلاب سبب من أسباب قيام الحرب فعلاً...؟
اعتقدت أن الحرب تفرز أبطالها مع مرور بعض الوقت على نشوبها. أعترف أني كنت مخطئة، فعدد منتفعيها أكثر بكثير مما يمكنني احصاؤه، أما أبطالها فيموتون سريعا على الجبهات قبل أن يغرسوا أعلام نصر أو يسمعوا زغاريده..
لم تعد الأعين تتجول بين أشرطة الاخبار لتبحث عن انتصار هنا أو هناك فقد سئمنا من تكرار حكاية الراعي الكذاب والذئب، الراعي الذي لم يختر أن يهددنا من خطر الذئب وأنيابه، بل استمر لثلاث سنوات يتفاخر باقتراب انتزاع تلك الانياب بخطط حرب ناقشها على الملاء وتحركت بيادقه على شاشات التلفاز بهجوم كاسح، ولم يتحرك له جندي واحد على أرض الحقيقة...! وفوق كل ذلك خفتت تلك الأصوات واستبدلت بمعارك جانبية أنانية، ليس من اهتماماتها كسب الحرب أو حتى كسب ود ذلك المواطن أو استمالته ..
مخطئ من يعتقد أن المواطن اليمني صامدٌ أمام الظروف المجنونة التي تواجهه..
هناك فرق بين الصمود وبين اليأس، السؤال هو: الى أين سيقوده يأسه؟ إحراق نفسه أم إحراقها مع كل ما يحيط به؟! ..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني