"رجفة باردة تسري في عمودك الفقري تكبلك بثقل، وأنت تترقب خطر وتهديد محدق"، ذلك هو "الخوف".. السلاح اللاإنساني الأقوى للسيطرة على الشعوب وكبح جماحها عند الحاجة، استخدمته الإمامة قديماً، وأخرجته عصابات الحوثي من جعبة إرثها لتضع فوهته الباردة على صدغ اليمني..
مخطئ من يعتقد بأن الإمامة القديمة، سيطرت وجثمت على كافة أرجاء اليمن طوال الألف بذلك السلاح منفرداً، كان معيار توسعها وتقزمها يعتمد بالأساس على مدى ضعف قوة تماسك اليمنيين ضدها، وتناحرهم فيما بينهم.
ساهم سلاحهم الترويعي في بقائهم على كرسي الحكم لفترات قد تطول أو تقصر؛ قلعوا فيها الزرع ونهبوا المنازل قبل هدمها؛ تسلطوا على أرزاق الجموع حتى يبست البطون من بلع التراب اليابس؛ استوطنت الأوبئة المقابر وقد أخفيت ومنعت أمصال علاجها عمداً؛ قطعت الرؤوس وطحنت جماجم الثوار أمام أبنائهم المرتهنين إن لم تعلق لشهور على أبواب المدن؛ سلخت الجلود وعُلق ما تبقي منها على الأشجار حتى تحنطت معالمها...!!
وبالرغم من كل ذلك، تنهض من بين الرماد والانقاض مقاومة ترفضهم وتقاتل ضد حكمهم الجائر بإصرار وتحدي، فمفعول سلاح الترهيب، مهما كانت قوته، له فترة صلاحية محددة، ما أن يمتصها اليمني حتى يعود ليتصدر المشهد ويبتلع معظم جغرافيتهم، ليتحوصل من بقي منهم في وكرهم التقليدي بثياب الزهد والدين المزيفة، وانتظار رفدهم بدماء جديدة من وراء البحار..
ليست حرب اليوم سوى استنساخ مشوه لتلك المجازر القديمة، بأفعال صبيانية طائشة وجرعة رعب هزيلة، على الرغم من محاولة إضافة بعض الرتوش والتحسينات عليها من قبل مدربي إيران لمحاكاة تجربة "الحشد الشعبي في العراق"، كإظهار مقاتليها وهم يجتاحون المدن بوجوه ارادوا لها أن تبدو متوحشة تطفح بالقتل ولا تجيد سواه، ازاحت أعدائها، استخدمت الترويع منهج وتدرجت بصدماته حتى اقتلعت أرواح الاسرى ومثلت بأجسادهم بتبجح بشع..
وماذا بعد؟!
تتساءل تلك الجماعة بعد أن نفذت جميع أساليبها ونضب مخزونها وارتد عليهم "الخوف" ولم يجدوا غير انتهاك "العيب" بضرب النساء واهانتهن أمام الكراهية المتربصة بهم من كل الجهات، ليس إغلاق شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، الا محاولة لستر النفس ومهرب للطمأنينة بجانب استمرار عملية التنكيل، وتهريب الأموال المنهوبة للخارج.
من سوء حظ تلك العصابة أنها في مواجهة شعب لا يموت؛ لا ينقرض؛ جيناته عصية، يتوارثها وتتناسخ أرواحه متكاثرة جيل بعد آخر. لا تهزم الشعوب حتى تُلقي سلاح المقاومة جانباً، ومازال العسكري والمقاوم يقف على أطراف الجبهة لا يقيه برد الشتاء سوى سلاحه وإيمانه بهزيمتهم، وخلفهم طابور طويل لتأدية أدوارهم.
ومن حسن حظ اليمن أنها حظيت بجيل جديد من أبنائها، جيل حفظ الدرس بعد أن قراء التاريخ بتمعن، اختصر الوقت ولم يجد الخوف إلى قلبه طريقاً، فقد اعتاد -قبل زحفهم من الكهوف- على مشاهد أكثر رعب ودموية، أفسد سلاح ترويعهم بالرقص وغناء المهاجل خلف المتارس، لا يعنيه فرق توقيت الموت، قدر ما يعنيه التخلص من وحشية تلك العصابات واجتثاث همجيتها والعيش بعزة وكرامة.
لازال البعض تحت صدمة تلك العصابة لكنه سيلحق بالركب، بعد ساعات، أيام، أو أشهر، وقد استوعب نفسه وخوفه.
لا تشرب الأرض الدماء لكنها في اليمن شربته وارتوت، تعلمت منه الحديث بلسان أبنائه. اسمع تنهدها، بينما ترهف اذنيها لطلقات سلاح الإمامة المنبعث من جديد، ولسان حالها يقول: "ما تموت العرب إلا متوافيه".
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني