الصور المنتشرة في الشوارع تقول أننا لسنا إزاء رئيس مخلوع، أو حتى رئيس سابق، ولا حتى رئيس أسبق، حسبما يود أن يصف نفسه، الصور تقول أننا إزاء الرئيس السابق اللاحق، الساحق الماحق، الآبق الدانق (...) والمجد للأمية أهم منجزات "الرئيس، الزعيم"، ولعنة مستحقة لكل قادة المشترك تلاحقهم حيثما هم.
الرئيس السابق، وصف لرؤساء دول أخرى، رؤساء زاولوا مهام الرئاسة، بجدارة واستحقاق، وحينما آن أوان تقاعدهم، تقاعدوا كما ينبغي لرؤساء أنجزوا واستراحوا وأراحوا، الرئيس السابق، وصف لا يصلح لوصف علي صالح الذي لم يشعر يوما أنه كان رئيسا، حتى وهو في أزهى فتراته في السلطة، فالرجل بسبب من شعور دائم لديه، بعدم الجدارة والاستحقاق، يساوره شعور دائم، بإثم الاغتصاب وقلق المصير.
لم يشعر يوما أنه رئيس، حتى وهو في الخدمة إذ عاش مفتقدا للشعور بكونه رئيس حقا، ما جعله يسعى، صباح كل يوم، ليثبت لنفسه، أنه رئيس، مرة بالخروج لتفقد السيل، ومرة أخرى، للخروج لشراء العنب، حكم وعلى الأحرى تحكم، 33 عاما، ولكنه لم يعش يوما إحساس الرئيس، المستحق والمقتدر، الجدير فعلا بمركزه ومنصبه.
ولذا حينما تم خلعه، وهو المنخلع المخلوع، حد وصف اللجان الشعبية الحليفة له (...)، لم يقنع او يقتنع بكونه مخلوعا او حتى رئيسا سابقا، أو أسبق، إذ لم يشعر يوما أنه كان رئيسا أصلا، فكيف سيشعر أنه رئيسا سابقا أو أسبق، ولذا فحينما خلع قسرا عن الرئاسة، راح يلقب نفسه بلقب الزعيم، تعويضا عن شعور لم يشعر به يوما، ولكن أن كان غير صالح ليكون رئيسا أو زعيما، وهو " في الخدمة" فكيف سيكون " زعيما " وقد خلع أو أنخلع وتخلع.
صعد على حين غفلة من الزمن والناس، فلا مثل إضافة لما قبله، ولا بداية جيدة لما بعده، وظل وجوده مثل صدفه عقيمة؛ خارج التسلسل السببي الذي هو التاريخ، وسيزال مثلما تزال أي مصادفة عقيمة، طال الزمان أم قصر، بسبب من ذلك، تملكه شعور، ممض، بعدم الجدارة والاستحقاق، وساوره شعور دائم بإثم الاغتصاب، وأستبد به قلق المصير، وسيمثل ذلك تفسيرا دائما لسلوكه الغريب العجيب، طوال مدة حكمه، أو تحكمه المديد.
مثله في ذلك مثل من يتزوج، عنوة، بامرأة حسناء فاتنة، بعد موت زوجها العتيد، إذ سيجهد في تعذيبها كل يوم، لا لشيء، إلا ليثبت لنفسه، بأنه جدير وقدير، وبسببه راح يتحكم ولا يحكم.
مركبات النقص في شخصيته، تفسر كل سلوكه السياسي، وإلا فإن في معظم دول العالم رؤساء سابقون، يكتبون مذكراتهم، ويعملون كمستشارين ومحاضرين، في مراكز أبحاث ودراسات، دون صور، ودون فصام بين دور الرئيس السابق، ووهم الرئيس اللاحق.
بين صورة الرئيس الساحق الماحق، الذي يسحق الوطن ويمحقه، لأنه لم يقتنع لحظة بكونه رئيس جدير ومستحق، الوطن يعيش عقد "الرئيس، غير الرئيس" ويدفع ثمنها كل يوم، يدفع ثمن مأساة "رئيس مدى الحياة " لا مجال في قاموسه لوصف رئيس سابق أو حتى أسبق، ويؤمن - حد الهوس - بأن بطاقة " رئيس سابق " هي وحدها، شهادة وفاته لا غير.
طيب بالبلدي كذا: في معظم دول العالم رؤساء سابقون، وسابقون قولا وفعلا، فهل انتم ثانيين على الناس، ومهما كان الحال، فالرجل فان، غير خالد أو مخلد، ويسري عليه قانون الحياة القاسي، قانون الشيخوخة والموت، فماذا انتم، وزعيمكم، فاعلون.
الوطن أبقى .. أيها الحمقى !!
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان إجتهاد المحرر"
اقراء أيضاً
إذا يدك تحت الحجر اسحبها ببصر
نقطة فوضى!!
وسيلتان للخلاص