يبدو أن مقولة " إذا أردت السلام، فاستعد للحرب"، هي ما يدور في رأس الرئيس السابق، علي صالح, الذي يحاول، بكل ما أوتي من حيل، لملمة أشتاته في ظرف سياسي متغير، ليس مثله إلا طبعه، الذي تجلى فيه خلال أكثر من أربعة عقود من عمره العسكري والسياسي.
ففي الوقت، الذي يطلق دعواته للحوار من أجل السلام بين كافة الأطراف اليمنية والإقليمية الضالعة في الحرب اليمنية، يقوم، كذلك، بزيارة معسكرات تدريبية خاضعة لقيادة مقربين منه، ويدعو إلى الدفع بالمقاتلين إلى الجبهات، ويتوعد بمزيد من الهجمات الصاروخية على العمق السعودي، والمدن اليمنية الخاضعة للسلطة الشرعية، ويتحدى المبادرات الأممية بخصوص الموانئ البحرية والجوية.
إنها الحرب إذن، وليس تحركاته، تلك، مظهرا من مظاهر الاستعداد لها فقط. أما مبادرات السلام والحوار غير المشروط، الذي يطلقه صالح بين الحين والآخر، أو نحو ذلك مما تمرره خلية إدارة الأزمات التابعة له، عبر بعض المؤسسات، فإنها ليست سوى آلية مبتكرة لتدوير الانقلاب ونظرياته وأدواته، وإخراجه في هيئة جديدة لا تقل فضاعة عن حالته الراهنة، ومن ذلك مثلا: المبادرة، التي تبنتها كتلة الموالين له من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي بمجلس النواب، في 23 يوليو/تموز 2017.
يقابل مشهد التناقضات في المبادرات والإرادات، توجس وارتياب يكتنف أطراف الحرب جميعا، سواء فيما بين طرف وذاته على حدة، أو بين الطرفين المتصارعين، في كل من الإطار الأضيق والأوسع لهذه الحرب.
كما تشير التحركات العسكرية المتواثبة على الأرض، في مناطق الساحل الغربي، وجمود بعضها في مناطق شمال الشمال، ومحيط صنعاء، إلى وجود زوايا غامضة في هذه الحرب، وتفاصيل مفقودة في الحلول، التي عادة ما تفرض من خارج الحدود، ولا تستقيم مع الجوهرية، التي خاض فيها التحالف العربي معركته إلى جانب السلطة الشرعية بكل مكوناتها الوطنية.
مبادرات مشبوهة
يدرك صالح، وهو يمضي في طريق العشرية الثامنة من عمره، أنه لم يعد لديه متسع من الوقت، للتخلص من حلفائه الحوثيين بانقلاب ناعم أو خشن، يعيده إلى الصدارة السياسية والعسكرية. والإحساس ذاته، ينتابه تجاه قوى ثورة فبراير/شباط 2011، وغيرها من القوى المكونة لكتلة الرئيس هادي.
كما يدرك مع حلفائه الحوثيين، تراجع قدرتهم على الصمود أكثر مما مضى أمام هذه القوى، رغم ما تعانيه، أساسا، من خذلان الداعمين لها؛ ومع ذلك فالمعركة بالنسبة لهذه القوى مصيرية، وأنه لن يفت في عضدها سوى معركة الخداع السياسي.
بهذا، وجد صالح، وإلى جانبه بعض من رموز الفصيل القبلي في الجماعة الحوثية، وفصيل آخر من البراجماتيين العتيقين المؤثرين في قيادتها العليا، أنهم في حاجة ماسة للالتحام والعمل، جنبا إلى جنب، على تحريك ورقة المنافع المتبادلة مع الخصوم الخارجيين، الذين يتشاطرون معهم العداء غير المعلن تجاه خصومهم الداخليين المنخرطين في صفوف السلطة الشرعية، وأن تقديم تنازلات تتعلق بمسائل السيادة، مثل إخضاع ميناء الحديدة وكافة موانئ البلاد، البحرية والبرية، لآلية رقابية أممية، يمكن أن يُقايض بها مقابل سلعة سياسية ثمينة.
هذه السلعة الثمينة، هي إلغاء قرارات وإجراءات مجلس الأمن، المعنية بصالح، وأبنائه، وحلفائه الحوثيين، وما يمثله ذلك من قطع للطريق أمام ما قد يستجد من نحو ذلك، مثل توصية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة باليمن لدى مجلس الأمن، التي اقترحت في يناير/كانون ثاني 2017، إدراج خالد علي عبد الله صالح، ضمن قائمة المشمولين بالعقوبات، والتي أثير مع لحظة كتابة هذا المقال، ما يشير إلى قبول هذه التوصية.
على فرض القبول بمبادرة المجلس إياها، أو التقريب بينها وبين خريطة الطريق الجديدة للمبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، التي كشف عن بعض تفاصيلها، واصفا إياها بأنها معنية بحل الأزمة اليمنية برمتها، فإن الموافقة على إلغاء قرارات مجلس الأمن أو معالجتها بالطرق السياسية والقانونية المناسبة، مقابل إخضاع الموانئ البرية والبحرية للبلاد لإدارة محلية محايدة، ورقابة أممية مفوضة، فإن ذلك يعني الدخول القسري لكافة فرقاء الصراع، في حوار مختلف عن الحوارات السابقة، ولربما يكون من نتائج ذلك ما يلي:
أ. عودة العميد أحمد علي صالح إلى الواجهة السياسية، وما يتبع ذلك من تقدم سريع لدور قواته العسكرية، وأنصاره الحزبيين، والبرلمانيين، والقبليين.
ب. تمكين جماعة الحوثيين من التشكل سياسيا، على نحو مقبول، داخليا، وإقليميا، ودوليا.
ت. انتزاع مراكز استناد اقتصادية من قبضة السلطة الشرعية، ما قد يعجل بتهاوي أركانها، خاصة إذا ما أقدمت السعودية على وقف الدعم المالي عنها.
ث. إضعاف دور القوى الداعمة للشرعية بالقدر، الذي لا يبقيها قوية ومؤثرة كماضيها.
ج. تمكين قوى سياسية جنوبية صاعدة، من لعب دور سياسي مضاهٍ للقوى الأخرى في الساحة اليمنية.
ح. إبقاء الطابع الوحدوي لليمن، في الحدود الدنيا، التي تضمن تراجع نزعات الانفصال في دول الجوار.
في هذا الصدد، قد يكون من المفيد التذكير بما أثارته وسائل إعلامية دولية، في يوليو/تموز الجاري(2017)، عن مساعٍ إماراتية لتغيير موقف السعودية من الرئيس السابق علي صالح، ووقوع ذلك قريبا. وقد ورد اسم المتحدث السابق باسم التحالف، ونائب رئيس الاستخبارات حاليا اللواء أحمد عسيري، في سياق الحديث عن هذه المساعي، مشيرة إلى أنه التقى، سرا، في أواخر يونيو/حزيران 2017، بالعميد أحمد علي صالح، الذي يقيم في أبوظبي؛ لإجراء تفاهمات تقضي باضطلاعه بدور سياسي مستقبلي في اليمن.
مؤشرات ذات دلالة
قبل يومين من إطلاق مجلس نواب صنعاء مبادرته للحوار والسلام، كان صالح يتحدث عن تفاصيلها أمام قيادات وبرلمانيين من حزبه، مستبعدا القبول بتسليم ميناء الحديدة لسلطة محايدة، واصفا ذلك بأن الشمس أقرب منها لمن ينادي بذلك، ولكنه طالب بوضع كافة الموانئ اليمنية في هذا الموضع، وليس ميناء الحديدة فقط.
إلى ذلك، تكشف تحركات المبعوث الأممي، ولد الشيخ، في باريس، والقاهرة، والرياض، وعمّان، ولقائه بأطراف يمنية مختلفة، عن مسعى من هذا النوع، بل إن جانبا من بنود خريطة الطريق، التي تتبناها الأمم المتحدة، أفصح عنها بنفسه، لكنه نفى أن يكون ما تداولته وسائل إعلام مختلفة، هو كل هذه الخريطة، بل أكد على شمول الحل السلمي، وليس انحصاره في مسألة تسليم ميناء الحديدة.
ما يبديه إعلام الحوثيين من رفض لمبادرة مجلس النواب، لا يمثل، قطعا، كل تياراتهم، التي بدأت في التمايز خلال الأيام القليلة الماضية، ولعل أقرب تفسير لهذا الرفض، وجود تيار قوى رافض لها، يستشعر الخطر، الذي قد يبيته صالح للجماعة؛ لأن استغلال صالح للمجلس السياسي الأعلى، بات واضحا؛ بحيث أصبح أداة لإقرار مسائل خطيرة تجاههم، وتجاوزات تقع المساءلة فيها على رئيس المجلس، صالح الصماد، الذي مدد له حزب المؤتمر فترات الرئاسة مرارا، وتحول في يد علي صالح إلى بيدق لا يقل حالا عن وضع القاضي عبدالكريم العرشي، الذي حكم الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) أقل من شهر واحد، ليصعد بعده علي صالح إلى الحكم في يوليو/تموز عام 1978.
أقوى المؤشرات الدلالية على اقتراب حوارات الخداع السياسي الموجه دوليا، والمرعي إقليميا، إفساح الطريق أمام رئيس حكومة الشرعية، أحمد بن دغر، للوصول إلى المعسكرات الخاضعة لسيطرة القيادة الإماراتية في محافظات الجنوب، التي لا يستطيع الوصول إليها المعنيون الحقيقيون بها، وهم القادة العسكريون بوزارة الدفاع، التي تضمها حكومته؛ حيث يتصف الرجل بديناميكية عالية في التلون والانتقال من اليسار إلى اليمين، كلما كانت أحوال الطقس السياسي متقلبه في هذا البلد، وهو ترويض لتحويل تدريجي لموقفه.
ما يمكن أن يختم به كمؤشر ميداني، الدخول المفاجئ للمقاومة الجنوبية إلى معسكر خالد، بمحافظة تعز، بعد ثلاثة أيام من إطلاق مجلس نواب سلطة صنعاء مبادرته للحوار والسلام. وتوصيف "المقاومة الجنوبية"، هنا، يأتي حسب الإعلام الجنوبي الممول إماراتيا، ليضع هذا النصر خارج حسابات الرئيس هادي وفريقه، اللذين لا يؤمنان بأي توصيف يقسم البلاد على أساس شمال وجنوب.
كما إن هذه الانتصار العجيب، يذكّر بتقهقر مقاتلين من الحرس الجمهوري من عدن ولحج والضالع، إلى حدود ما قبل مايو/آيار 1990، خلال المعارك، التي شهدتها هذه المناطق أواسط عام 2015، وذلك فق تفاهمات سرية يشار إلى ضلوع طرفين رئيسين فيها، هما: الرئيس السابق صالح، والقيادة الإماراتية. وقد وصف الحدث، آنذاك، بأنه انتصار ساحق للمقاومة "الجنوبية" المسنودة من وحدات رمزية من القوات الإماراتية، والسعودية، وقوات أخرى وصفت بـ"المرتزقة"، وتحدثت عنها مصادر إعلامية أمريكية، في ذلك الوقت، بأنها مرتزقة كولومبية، جرى تدريبها في قاعدة زايد العسكرية بالإمارات المتحدة.
* باحث يمني وخبير في الشؤون الاستراتيجية
حقوق النشر محفوظة لـ" يمن شباب نت" 2017©
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن